قلنا: [إن] الصغائر لم تكن منفرة من حيث قلة الثواب معها. بل إنما كانت كذلك من حيث كانت قبائح ومعاصي لله تعالى، وقد بينا أن الملجأ في باب النفير (1) إلى العادة والشاهد. وقد دللنا على أنهما يقتضيان بتنفير (2) جميع الذنوب والقبائح على الوجه الذي بيناه.
وبعد: فإن الصغائر في هذا الباب بخلاف الامتناع من النوافل، لأنها تنقص ثوابا مستحقا ثابتا، وترك النوافل ليس كذلك، وفرق واضح في العادة بين الانحطاط عن رتبة ثبتت واستحقت، وبين قوتها، وان لا تكون حاصلة جملة.
ألا ترى ان من ولي ولاية جليلة وارتقى إلى رتبة عالية، يؤثر في حالة العزل عن تلك الولاية والهبوط عن تلك الرتبة، ولا يكون حاله هذه كحاله لو لم ينل تلك الولاية ولا ارتقى إلى تلك الرتبة؟
وهذا الكلام الذي ذكرناه يبطل قول من جوز على الأنبياء (عليهم السلام) الصغائر على اختلاف مذاهبهم في تجويز ذلك [عليهم] على سبيل العمد أو التأويل. إلا ان أبا علي الجبائي ومن وافقه (3) في قوله ان ذنوب الأنبياء لا تكون عمدا، وإنما يقدمون عليها تأولا، وتمثيل ذلك (4) بقصة آدم (عليه السلام)، فإنه نهي عن جنس الشجرة دون عينها، فتأول (5) فظن أن النهي تناول العين، فلم يقدم على المعصية مع العلم بأنها معصية، قد ناقض، لأنه إنما (6) ذهب إلى هذا المذهب تنزيها