بها (1) لا نسكن إلى قبول قوله، كسكوننا إلى من لا يجوز ذلك عليه في حال من الأحوال ولا على وجه من الوجوه، ولهذا لا يكون حال الواعظ لنا الداعي إلى الله تعالى ونحن نعرفه مقارفا للكبائر مرتكبا لعظيم الذنوب، وإن كان قد فارق جميع ذلك وتاب منه عندنا، وفي نفوسنا كحال من لم نعهد (2) منه إلا النزاهة والطهارة، ومعلوم ضرورة الفرق بين هذين الرجلين فيما يقتضي السكون والنفور، ولهذا كثيرا ما يعير الناس من يعهدون منه القبائح (3) المتقدمة بها وإن وقعت التوبة منها، ويجعلون ذلك عيبا ونقصا وقادحا ومؤثرا. وليس إذا كان تجويز الكبائر قبل النبوة (4) منخفضا عن تجويزها في حال النبوة، وناقصا عن رتبته في باب التنفير، وجب أن لا يكون فيه شئ من التنفير، لأن الشيئين قد يشتركان في التنفير، وإن كان أحدهما أقوى من صاحبه. ألا ترى أن كثير السخف والمجون (5) والاستمرار عليهما والانهماك فيهما (6) منفر لا محالة، وان القليل من السخف الذي لا يقع إلا في الأحيان والأوقات المتباعدة منفر أيضا، وإن فارق الأول في قوة التنفير ولم يخرجه نقصانه في هذا الباب عن الأول من أن يكون منفرا في نفسه.
فإن قيل: فمن أين قلتم (7) ان الصغائر لا تجوز على الأنبياء في حال