سبق إليه جماعة من أهل التأويل وذكروه، وهو ان هذا الكلام الذي هو * (وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء) * إنما هو من كلام المرأة لا من كلام يوسف (عليه السلام)، واستشهدوا على صحة هذا التأويل بأنه منسوق على الكلام المحكي عن المرأة بلا شك. ألا ترى انه تعالى قال: * (قالت امرأة العزيز الان حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء) * (1)؟ فنسق الكلام على كلام المرأة وعلى هذا التأويل يكون التبرؤ من الخيانة الذي هو ذلك * (ليعلم أني لم أخنه بالغيب) * من كلام المرأة لا من كلام يوسف (عليه السلام) ويكون المكنى عنه في قولها: * (أني لم أخنه بالغيب) * [هو] يوسف (عليه السلام) دون زوجها، لأن زوجها قد خانته في الحقيقة بالغيب، وإنما أرادت: اني لم أخن يوسف (عليه السلام) وهو غائب في السجن، ولم أقل فيه لما سئلت [عنه و] عن قصتي معه إلا الحق، ومن جعل ذلك من كلام يوسف (عليه السلام) جعله محمولا على اني لم أخن العزيز في زوجته بالغيب. وهذا الجواب كأنه أشبه بالظاهر، لأن الكلام معه لا ينقطع عن اتساقه وانتظامه.
فإن قيل: فأي معنى لسجنه إذا كان عند القوم متبرئا من المعصية، متنزها عن الخيانة؟
قلنا: قد قيل: إن العلة في ذلك الستر على المرأة والتمويه [والكتمان] لأمرها حتى لا تفتضح وينكشف أمرها لكل أحد، والذي يشهد بذلك قوله تعالى: * (ثم بدا لهم من بعدما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) * (2).