مهمته كما يريد هو ويريد الله ورسوله، ذلك لأن الذين ترعرعوا في العهود السابقة ورسخت جذورهم فيها واستطالت فروعهم واستمرؤا الحياة الناعمة المترفة، لم يرق لهم المنهج الجديد الذي وضعه أبو الحسن (عليه السلام) حيث يجعلهم فيه متساوين مع سائر الناس، ويحملهم فيه على المحجة البيضاء، وأن قيمهم - في نظر الحق - هي مقدار ما يحسنون، ولم يكن منهج علي (عليه السلام) جديدا بقدر ما هو إعادة إلى عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرته مع الناس، ولكن حب الدنيا والطمع في حطامها أدى بأولئك الذين كانوا ينادون بعلي ويهتفون باسمه، إلى التنكر له ومحاربته، وقد أخطأوا التقدير لأنهم ظنوا أن عليا (عليه السلام) سيبقي لهم امتيازاتهم التي ظفروا بها في العهود السابقة، ولكنهم فوجؤا بأنه لا يداهن على حساب الدين وحقوق الناس، ولن يتنازل عن مبادئه مهما آليت إليه الأمور " ومن ضاق عليه العدل، فالجور عليه أضيق " (1) وهو على منهاج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل أحواله.
وقد كان (عليه السلام) على التفات إلى هذا الأمر، فإنهم لما طلبوا أن يبايعوه بالخلافة أجابهم بقوله: دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل، وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم