ووسعته جماعة إلى كل ما جاءت به الأخبار، حتى المراسيل وهذه التوسعة مؤدية إلى النزول بالشريعة إلى الأدنى من الظنون، وهو باطل بالتحقيق، لما في الأخبار، وخاصة مع قطع النظر إلى الأسانيد، من الباطل وقابلية الدس والتزوير، كما هو المشاهد.
ولجأ البعض إلى أخبار الآحاد، فجعلوها " حجة " لإثبات الشريعة بها، وفتحوا بذلك أبواب التشريع، على أساس ما روي ونقل، فكان أن استغل هذه الثغرة أصحاب الأهواء، وبدأوا يضعون الأحاديث حسب أهوائهم، ويفتعلون المتون والأسانيد حسب آرائهم.
واعتبر المتأخرون كل ما دلت عليه أخبار الآحاد " سنة " وألقوا على ذلك الكتب والمجاميع والمصنفات والمسانيد وحاولوا وضع قواعد وأصول تميز لهم الصحيح وغيره. فألفوا كتب الصحاح وسموا بعضها بالسنن.
والأمر المهم في عمل هؤلاء هو خلطهم بين السنة والحديث، فإن ما رووه ونقلوه إنما هو " الحديث " المروي، وليس من الضروري أن يكون كل حديث " سنة " وتشريعا، كما عرفنا في تعريف السنة، فإنها إنما تتكون من الحكم الشرعي المتفق على كونه تشريعا قد سنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتخذه، وسار عليه المسلمون.
وقد عرفنا أن حجيتها موقوفة على كونها قطعية معلومة، لكونها شريعة الله الخالدة، ولا يكتفى فيها بالظنون والخبر الواحد الناقل له، ليست له حجية قطعية، ولا له قابلية الإثبات العلمي، فكيف يكون طريقا للسنة، ويثبت به الحكم الشرعي الإلهي؟؟
ولذا نجد مثل عمر بن الخطاب يرد حديثا روته الصحابية فاطمة بنت قيس، ويقول: " ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة... " (1).