الثقلان - السيد محسن الحائري - الصفحة ٣٨
فإذا كان " كتاب الله " قد تميز بالحجية الذاتية، وثبوته بالتواتر وكونه خالدا إلى يوم القيامة، وكونه معصوما، فلا بد أن تتميز " السنة " بنفس المزايا: فتكون حجيتها ذاتية، كما قلنا، وخالدة إلى يوم القيامة، ومعصومة، ولا بد أن يكون طريق ثبوتها العلم، لا الظنون.
ومع ذلك، فإن صدق " السنة " على حكم شرعي، لا بد أن تكون فيه صفة الدوام واستقرار العادة واتباع الجماعة، كما أوضحنا في معنى السنة لغويا، فلا يصدق إلا على ما كان له نحو ثبوت واستقرار جازم، لا ما يعتريه الشك والترديد والجرح والإبطال، والمعارضة والمخالفة، ولذلك قيد بعضهم السنة بكونها " ماضية " بمعنى جارية ومعمول بها.
ولعل مجمل ما ذكرنا أمر يتفق عليه المسلمون كافة، ولم يخالف في أصله أحد منهم.
إلا أنه وقع الخلاف بينهم في مصداقية " السنة "؟ وأنها من أين تؤخذ؟ وما هو المصدر العلمي الموثوق الذي يحكيها ويثبتها؟
وقد استغل هذا الخلاف بعض من أراد القدح في الشريعة من طرف خفي، فأعلن التشكيك في مجموع السنة، وشكك في تشريعات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحجيتها، محتجا بكونه " بشرا " تارة، وبأنه " يهجر " أخرى، حتى أصبح هذا الرأي شعارا لأهله رفعوه بعنوان " حسبنا كتاب الله "، رفعه في عهد الرسول جماعة من معارضي السنة، وتبعه على مر الزمان جماعة، ومنهم في عصرنا من كتب " الإسلام هو القرآن وحده " وأصبح حركة سياسية يتبعها " القرآنيون " (1).

(١) لا لاحظ عن هذه الشعارات وهذه الأفكار: كتابنا تدوين السنة الشريفة (ص 79 و 81 و 125 و 360 و 359 - 363 و 425 - 428 و 434 و 406.
ودراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه (ص 21 - 41)، وحجية السنة لعبد الخالق (ص 246 - 277).
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»