هذا مكابرة! ودعوى كون هذا الظاهر أشد. وصاحب هذا السؤال إن شك في نفسه، فليسأل كل من توجه إلى المدينة: ما قصد بذلك؟
وقال في ص 246: قد يتوهم من استدلال الخصم بهذا الحديث: أن نزاعه قاصر على السفر للزيارة، دون أصل الزيارة، وليس كذلك بل نزاعه في الزيارة أيضا، لما سنذكره في الشبهتين الثانية والثالثة، وهما: كون الزيارة على هذا الوجه المخصوص بدعة. وكونها من تعظيم غير الله المفضي إلى الشرك، وما كان كذلك كان ممنوعا. وعلى هاتين الشبهتين بنى كلامه، وأصل الخيال الذي سرى إليه منهما لا غير، وهو عام في الزيارة والسفر إليها.
وقال في 251: ولنتكلم على الشبهة الثانية والثالثة، اللتين بنى ابن تيمية رحمه الله كلامه عليهما. أما الشبهة الثانية: وهي كون هذا ليس مشروعا، وأنه من البدع التي لم يستحبها أحد من العلماء، لا من الصحابة، ولا من التابعين ومن بعدهم. فقد قدمنا سفر بلال من الشام إلى المدينة لقصد الزيارة، وأن عمر بن عبد العزيز كان يجهز البريد من الشام إلى المدينة للسلام على النبي عليه الصلاة والسلام. وأن ابن عمر كان يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم عليه وعلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهم. وكل ذلك يكذب دعوى:
أن الزيارة والسفر إليها بدعة.
ولو طولب ابن تيمية رحمه الله بإثبات هذا النفي العام، وإقامة الدليل على صحته لم يجد إليه سبيلا!!!
فكيف يحل لذي علم أن يقدم على هذا الأمر العظيم بمثل هذه الظنون، التي مستنده فيها أنه لم يبلغه، وينكر به ما أطبق عليه جميع المسلمين شرقا وغربا في سائر الأعصار، مما هو محسوس خلفا عن سلف، ويجعله من البدع؟!!!!