ويكون من الصغائر على قول من يجوزها، أو يكون الزجر يحصل بدونها.
ويحتمل أن يكون اللعن والسب يقع منه من غير قصد إليه، فلا يكون في ذلك كاللعنة الواقعة رغبة إلى الله وطلبا للاستجابة. وأشار عياض إلى ترجيح هذا الاحتمال الأخير فقال: يحتمل أن يكون ما ذكره من سب ودعاء غير مقصود ولا منوي، ولكن جرى على عادة العرب في دعم كلامها وصلة خطابها عند الحرج والتأكيد للعتب لا على نية وقوع ذلك، كقولهم: عقرى حلقى وتربت يمينك، فأشفق من موافقة أمثالها القدر، فعاهد ربه ورغب إليه أن يجعل ذلك القول رحمة وقربة. انتهى.
وهذا الاحتمال حسن إلا أنه يرد عليه قوله: (جلدته)، فإن هذا الجواب لا يتمشى فيه، إذ لا يقع الجلد عن غير قصد، وقد ساق الجميع مساقا واحدا، إلا إن حمل على الجلدة الواحدة فيتجه.
ثم أبدى القاضي احتمالا آخر فقال: كان لا يقول ولا يفعل صلى الله عليه وسلم في حال غضبه إلا الحق، لكن غضبه لله قد يحمله على تعجيل معاقبة مخالفه وترك الإغضاء والصفح، ويؤيده حديث عائشة: ما انتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله. وهو في الصحيح.
قلت: فعلى هذا فمعنى قوله: (ليس لها بأهل) أي من جهة تعين التعجيل. وفي الحديث كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته وجميل خلقه وكرم ذاته حيث قصد مقابلة ما وقع منه بالجبر والتكريم، وهذا كله في حق معين وفي زمن واضح، وأما ما وقع منه بطريق التعميم لغير معين حتى يتناول من لم يدرك زمنه صلى الله عليه وسلم فما أظنه يشمله، والله أعلم.