قوله: (اللهم فأيما مؤمن) الفاء جواب الشرط المحذوف لدلالة السياق عليه. قال المازري: إن قيل كيف يدعو صلى الله عليه وسلم بدعوة على من ليس لها بأهل؟ قيل: المراد بقوله ليس لها بأهل عندك في باطن أمره، لا على ما يظهر مما يقتضيه حاله وجنايته حين دعائي عليه، فكأنه يقول: من كان باطن أمره عندك أنه ممن ترضى عنه فاجعل دعوتي عليه التي اقتضاها ما ظهر لي من مقتضى حاله حينئذ طهورا وزكاة. قال: وهذا معنى صحيح لا إحالة فيه، لأنه صلى الله عليه وسلم كان متعبدا بالظواهر، وحساب الناس في البواطن على الله. انتهى.
وهذا مبني على قول من قال: إنه كان يجتهد في الأحكام ويحكم بما أدى إليه اجتهاده، وأما من قال: كان لا يحكم إلا بالوحي فلا يأتي منه هذا الجواب.
ثم قال المازري: فإن قيل: فما معنى قوله: وأغضب كما يغضب البشر؟
فإن هذا يشير إلى أن تلك الدعوة وقعت بحكم سورة الغضب، لا أنها على مقتضى الشرع، فيعود السؤال.
فالجواب: أنه يحتمل أنه أراد أن دعوته عليه أو سبه أو جلده كان مما خير بين فعله له عقوبة للجاني أو تركه والزجر له بما سوى ذلك، فيكون الغضب لله تعالى بعثه على لعنه أو جلده، ولا يكون ذلك خارجا عن شرعه.
قال: ويحتمل أن يكون ذلك خرج مخرج الإشفاق وتعليم أمته الخوف من تعدي حدود الله، فكأنه أظهر الإشفاق من أن يكون الغضب يحمله على زيادة في عقوبة الجاني لولا الغضب ما وقعت، أو إشفاقا من أن يكون الغضب يحمله على زيادة يسيرة في عقوبة الجاني لولا الغضب ما زادت،