لا يوجد إنسان يحترم قيمه ومثله العليا إلا وهو رجل سليم في طريقة النقاش، بعيدا عن خوض الجدال مع أحد. ذلك أن من يحترم نفسه لا يضيع وقته في الجدال التافه، وإذا رأى الطرف الآخر يريد أن يجادل ولا يستهدف الوصول إلى الحق، يترك الكلام معه، ولماذا الجدال أساسا؟ فأما أن يخسر الطرف الآخر إن كان صاحب الرأي الأصوب، وأما أن يضيع وقته مع الطرف الآخر إذا كان مصرا على عدم التزحزح عن رأيه.
من الأفضل في النقاش أن نسلم بالأمور التافهة لمحدثنا، ونتمسك بالحجج القوية الدامغة، وهذا فن عظيم ينبغي أن نتعلمه.
ولا ننسى هنا أن في ذهن كل إنسان معادلة يتحرك من خلالها، فنحاول عند دخولنا في نقاش مع أحد، أن نؤكد على الجانب الآخر من المعادلة، فليس من الصحيح دائما أن علينا لكي نقنعه بشئ، أن ننسف الجانب الذي يؤمن به هو، بل يكفي ترجيح جانب من المعادلة في ذهنه حتى يتحرك بالشكل الذي نريده نحن، فكل إنسان يتحرك بناء على وجود ميزان في ذهنه، إذ يؤمن بشئ في مقابل شئ آخر، فلأن هذه الكفة قد نزلت عنده، حاول أن ترمي ثقلك في الحوار في الكفة الخفيفة، دون التعرض لإثقال الكفة الأخرى عنده. وفي الحقيقة إن الذي يمارس الجدال يهين نفسه، بتعريضها لإهانة والآخرين.
يقول الإمام علي عليه السلام: (إياك والمراء، فإنك تغري نفسك بالسفهاء).
ويقول عليه السلام في حديث آخر: (لا تماري (كذا) فيذهب بهاؤك).
فهل يمكن لأحد أن يدخل في جدال إلا ويهين نفسه؟!
وكما قلنا آنفا فإن من خطورة الجدال أنه يقطع الصداقات ويمزق الإخاء.
وقد يحدث ذلك من دون أن يفصح الطرف الآخر بذلك والسبب هو الجدال!
يقول الإمام الهادي عليه السلام: (المراء يفسد الصداقات القديمة، ويحلل العقدة الوثيقة).