ولكن مضمون هذا الموقف واقعيا جعل شأن الإمام متوقفا على إرادة الناس، ويلزم عنه أن يكون الله تعالى قد فوض للناس تنصيب إمامهم، فأما أن مصدر الشرعية والولاية هو الله، فهو مجمع عليه لدى كل المسلمين، أما أن الله فوض التنصيب إلى الناس نيابة عنه، فهذا مما لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، بل هو أمر افتراضي اضطر إليه فقهاء الاجتهاد في الإمامة للتوفيق بين دلالة النص وخلافة الأمر الواقع، فضلا عن أن المنطق لا يرضى لهذا المزج بين ربانية الولاية وبشرية التنصيب، لما يتيحه ذلك من إمكان إنتاج ولاية ضالة مضلة، فيكون ضلال الأمة عن سبيل الله ووقوعها في الهلكة ناتجا عن الفريضة ذاتها، لأن الامتثال لهذه الولاية كان بدافع منها، لا بدافع من حاجة المجتمعية الإنسانية كالحال في النظم الأرضية.
وما هذا الوجه من الاجتهاد إلا وجها من الجبرية التي ابتدعها الأمويون لتبرير خلافة الفساق والطلقاء من بني أمية، فكثيرا ما كان معاوية يردد أنه إمام من الله واجب الطاعة لأن " الملك لله يؤتيه من يشاء " وقد آتاه الله الملك حين مكنه منه. وهو من القول بأن فعل الإنسان كاشف عن إرادة الله، وفيه تخليط وإلباس بين المفاهيم، إذ فعل الإنسان يكشف عن إرادة الله في قضائه بالتخلية بين الإنسان وبين اختياره، لكن ليس كاشفا عن رضى الله بذينك الفعل والاختيار.
على أنه مهما موهت العبارات في شأن هذا الاجتهاد وألبست من قوالب الكلام، فإن المضمون الواقعي أن الناس هم مانحو الولاية، يمنحونها