الإمامة تلك الحقيقة القرآنية - الدكتور زهير بيطار - الصفحة ٩٧
السماوية إلى يوم الدين. فضرورة الحاكمية في المجتمع أمر فطري يقتضيه طبيعة المجتمعية البشرية، فترى المجتمعات البدائية بحكم هذه الضرورة تخضع لفرد يفرض سلطانه عليها، ومع تقدم الإنسان في المدنية صار للمجتمع شريعة تنظم شأن الحاكمية على نحو أو آخر، ولم يعلم منذ أن سجل التاريخ أن جماعة ذات شريعة قد اقتصرت شريعتها على تقرير ضرورة الحاكمية، إذ ذلك تقرير لأمر كائن واقعيا لا حاجة إلى تقريره، بل الشرائع إنما تشرع في تنظيم شأن الحاكمية، وإن حيازة المجتمع على مثل هذا التشريع هو من دلائل ارتقائه ومزيد تطوره، واتهام النص على أنه يعني مجرد إقرار بضرورة الحاكمية وإن كان ادعاء ظاهر التكلف لإزاحة النص عن مجراه، ولكنه مع ذلك هو بمثابة عدم التشريع المنظم لهذا الأمر الخطير، وهو بهذا المعنى حالة بدائية تتخلف فيها الشريعة الإلهية عن غيرها من الشرائع البشرية، وتقصر عن حاجة الأمة، وحاشا للشارع الأقدس عن ذلك.
على أن النص واضح الدلالة لهذه الجهة لمن يفهم أساليب البيان العربي على النحو الذي فصلناه من أنه يتحدث عن أولي أمر صادرين عن الله ذووي ولاية ربانية.
وإذ لم يجعل الله تعالى الإمامة شأنا ربانيا إلا للغايات العظيمة التي لهذه الوظيفة، والآثار الخطيرة التي لموقعيتها على الرسالة والأمة، فنجد أنه بعد تنكر الناس للأولياء الحقيقيين المعنيين بهذا النص، وفي زمن قصير بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) وقع الخلل الخطير في مسيرة الرسالة
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»