الإمامة تلك الحقيقة القرآنية - الدكتور زهير بيطار - الصفحة ٩٨
وتعثرت الأمة، ذلك نتيجة الازدواجية المصطنعة في ولاية شرعيتها ربانية المصدر، وتنصيب الإمام فيها صادر عن أهواء البشر، إذ بعد أن صادروا موقع الإمام أبقوا على ربانية الشرعية وعلى حاكمية باسم الله ذات السلطة المطلقة، مما جعل ممكنا خضوع الناس بامتثال الفرض الرباني على هذا النحو المزعوم، إلى الولي الذي لا يمثل تطلعات الرسالة، من مقصر عن إدراك مضمونها، أو فاسق أو ظالم أو فاسد لا يريد سوى الملك، أو منافق يهدم الرسالة من قمة الهرم، وبهذا الفهم المعكوس للنص أصبح ممكنا للعامة أن تتقبل ما يجافي المنطق والوجدان وثوابت الدين في التعبد لله بطاعة مزعومة باطلة من هذا النوع لا ينتج عنها إلا ضلال الأمة وانحلال الرسالة، ولم يعد ممكنا التغيير ولا الحكم إلا بسيول من الدماء وبشتى وسائل القذارة في القهر والاستيلاء، ذلك لأن هذا المزج العجيب بين البشرية في تولية الإمام، وبين ربانية الفريضة، أنتج إمامة غير متكافئة الأركان، لا تكافؤ فيها بين الإمام من جهة وبين طبيعة الولاية وغاياتها المنشودة في الشريعة الإلهية، وطبيعة السلطة الممنوحة للإمام من الله، وقدسيتها وشمولها، التي تجعل منازعة الإمام فيها مناعة لله الذي منحها وباسمه تقلدها، من جهة ثانية. وأفضل مثال على هذا ما كان مع الخليفة الثالث ولما يمضي على وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) إلا الزمن القصير، إذ حين وجد منه الصحابة إساءة استخدام السلطة وعال صبرهم، طلبوا إليه أن يقيل نفسه، لأنه لم يكن بيدهم إقالته حسب النظام الذي فرضوه
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»