إن ما ذكرناه إلى الآن من حقائق كان منطلقه طبيعة الفريضة التي أملاها النص، وجوهر الرسالة في مضمونها وأهدافها، وإن استعراض الواقع التاريخي الذي ساد مجتمع الصحابة قبيل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) وحولها يعطي مزيدا من الوضوح والتأكيد.
3 - مجتمع الصحابة وظروفه الموضوعية:
أولا: إن السواد الأعظم من المسلمين كان إسلامهم حديثا جدا، أي بعد فتح مكة، وفي وقت قصير قبل وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله). ولم يكن الإسلام قد تمكن من قلوبهم وعقولهم، بل إن الغالبية الساحقة لم تكن قد شاهدت النبي (صلى الله عليه وآله) ولا سمعت منه مباشرة، وكان خضوع السواد الأعظم من الناس خضوعا سياسيا أكثر منه إيمانا.
ثانيا: إن قريشا كانت تشكل أكبر ثقل مالي وثقافي وسياسي، وإن كانت المدينة قد سلبتها مركز الصدارة بعد أن أصبحت مركز الدعوة، قريش هذه لم تدخل الإسلام إلا بعد الفتح، بل بقيت مصرة على قتال الني (صلى الله عليه وآله) والقضاء على الدعوة، واتخذت موقع القيادة في المعسكر المضاد للإسلام، ودفعت ثمنا باهظا مقتل الكثيرين من زعمائها وكبرائها، حتى غلبت على أمرها بفتح مكة، فدخل القريشيون في الإسلام حقنا لدمائهم، فاشتد بهم عضد المنافقين في المدينة، وهؤلاء القرشيون هم الذين أسماهم النبي (صلى الله عليه وآله