الإمامة تلك الحقيقة القرآنية - الدكتور زهير بيطار - الصفحة ١٩
والمنطق السليم لا يرضى أن يكون قوله تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) *، يعني اللمس المادي لا الإدراك المعنوي، لما ينطوي عليه من تقزيم لموضوع القسم، ومن خروج بالعبارة عن سياق ما قبله وبعده في القسم العظيم: * (فلا أقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم، إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون، لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين) *، وعدم تناسب مع القسم العظيم بأن القرآن الكريم في * (كتاب مكنون) * الذي لا يعني المصحف المكتوب في الجرائد، بل الكتاب في المجرد والمعنى والمضمون المحفوظ عند الله والذي أنزله على الرسل * (تنزيل من رب العالمين) *.
وهكذا فإن الذوق السوي، والفطرة السوية، والمنطق السديد، والوجدان الشفاف، تجعل المرء يتوقف عند التأولات المفتعلة، ويرى بعفويته الصادقة إن في ذلك التأول اختلالا، مما يجعله إن تابع البحث والاستقصاء يهتدي إلى الحق، الذي قد احتجب عن بعض الأذواق، نتيجة الحجب الكثيفة من الحجر والتزوير، والتوجيه المغلوظ للناس عبر القرون.
وهكذا فإنه من الضروري لمن يريد الحقيقة مهما كان انتماؤه، أن يتجرد عن أي موقف سابق، حين يقف أمام نصوص الإمامة ليرى دلالتها من خلال ما يفرضه أسلوب البيان والتعبير، وبما يرضي المنطق السديد والوجدان السليم، فيرى من ذلك مطابقتها مع الذي صح من أسباب 7 النزول، ولو فعلنا هذا لو جدنا أن هذه النصوص، وإن كانت تتفاوت في حجم دلالتها، لكنها جميعا تلتقي في دلالة واحدة على أن هناك جهة
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»