الشاهدية الكبرى والشاهدون المباركون:
وهكذا يظهر بوضوح أن الخطاب في هذه الآية الكريمة بصيغة الذين آمنوا، خاص بالذين آمنوا المجتبين الذين أبوهم إبراهيم، تلك الأمة المسلمة من ذرية إسماعيل (ع) الذين سماهم المسلمين من قبل، وقد اجتباهم تعالى لمهمة الشاهدية الكبرى على الناس، فجعلهم حلقة متوسطة بين النبي (ص) الذي تلقى الوحي، وبين الناس المستهدفين بالهداية، هذا الهدف الأساس من الرسالة الخاتمة الذي لا يتحقق إن لم تحفظ حقائقها عبر الزمان; فهؤلاء الشاهدون هم الذين يشهدون لهذه الحقائق ويشهدون بها.
هم يشهدون لها حين ينشأ الجهل أو التحريف، فتتعرى البدع ويحصل العلم لطالبه، وهم يشهدون بها حين يقصر الناس أو ينحرفون عنها، ليأووب إلى الحق طلابه. ولا يجد العقل معنى وجيها لهذه الشاهدية غير هذا، ولا سببا لجعلها متوسطة بين النبي (ص) وبين الناس، إلا ما له علاقة بتحقيق هدف الرسالة في هدايتهم وفي صون الرسالة لتبقى هادية إلى يوم الدين. لذا فهذه الشاهدية تعني بالضرورة أن لدى الشاهدين العلم بحقائق الوحي كاملة، مطابقة لأصله، وأنهم هم المستحفظون عليها، وأن لهم مرجعيتها. ومثل هذه الموقعية الخطيرة المرتبطة بهدف الرسالة في الهداية، لا يكون إلا عن اصطفاء رباني للقلة الأمثل من الخلق التي قد هيأها لذلك، وهذا هو منطوق الآية في قوله " هو اجتباكم ". أما من عداهم مهما بلغ من العلم والتقوى، فإنه يبقى عرضة إلى النقص في العلم والضلال في