استقبالها على عامة المكلفين من القريب والبعيد وليس معنى ذلك وجوب وقوف المصلى البعيد في مقابلها على نحو لو اخرج خط من موقفه مستقيما على جهته لم يخرج عن جرم لكعبة بل استقبال الشئ معنى يصدق على وقوف البعيد بحذائه بحيث لو كان ذلك الشئ المستقبل مشاهدا من بعيد يرى أنه مقابل له وان كان لم يعلم بأنه لو اخرج خط مستقيم على جهته لم يتجاوز عينه بل ولو علم عدمه كما يشاهد ذلك من مقابلة الأجسام البعيدة ودعوى ان ذلك ليس من الاستقبال الحقيقي بل هو تخيل محض غيره مسموعة فانا بعد المراجعة إلى الوجدان نرى صدق مفهوم الاستقبال على المصداق المذكور صدقا حقيقيا بلا تجوز وعناية وعلى هذا لا داعي إلى ارتكاب ان البعيد لما تعذر عليه استقبال العين سقط عنه ذلك وجعلت قبلته الجهة فإنه لو كان المراد منها المعنى الذي ذكرنا فليس هذا من جهة عدم التمكن من استقبال العين بل لو تمكن من القيام على نحو يخرج الخط المستقيم من جهته إلى العين لم يجب عليه ذلك لما عرفت من صدق الاستقبال بالنسبة إلى البعيد على الأعم من ذلك وان كان المراد منها ما هو أوسع من ذلك فاختصاص العاجز به وان كان على طبق القاعدة لكن القول به منوط بعدم الاكتفاء به للمتمكن أيضا كما ستعرف الحال في ذلك.
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أن مقتضى القاعدة تحصيل العلم بالقبلة للقريب و البعيد بالمعنى الذي ذكرنا فلو تمكن من ذلك باجتهاد نفسه أو بالسؤال ممن يعرف ذلك حتى يحصل له العلم وجب عليه ذلك ولا يجوز له الاكتفاء بغيره وهل لنا دليل يدل على الاكتفاء الشارع بغير ذلك حتى للمتمكن من تحصيل العلم بالجهة بالمعنى الذي ذكر أولا قد يقال بدلالة الاخبار الحاكية عن أن ما بين المشرق والمغرب قبلة كله على أن ذلك قبلة عامة المكلفين وان كانوا قادرين على تحصيل الجهة المعلومة خصوصا ما وقع منها في جواب سؤال السائل عن تعيين حد القبلة وفيه ان ظهور تلك الأخبار في كون ذلك قبلة بنحو الاطلاق ممنوع كما ستعرف انشاء الله ولو سلم فهي معارضة مع ما دل على لزوم تحويل الوجه إلى القبلة فيما إذا التفت المصلى إلى كونه منحرفا عنها مع أنه غير خارج عما بين المشرق والمغرب ومقتضى الجمع حمل الأخبار المتقدمة على بيان القبلة التي