" يطهر ثوبه وبدنه... ويشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله ".
فغاب عنهم (أسيد) قليلا ثم عاد يقطر ماء الطهور من شعر رأسه، ووقف يعلن إسلامه قائلا: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله.
وسرى الخبر كالضوء في أنحاء يثرب كافة، وجاء (سعد بن معاذ) فأصغى لمصعب وهو يقرأ آيات من القرآن، حتى اقتنع وأسلم، ثم تلاه (سعد بن عبادة) رئيس الخزرج، وتمت بإسلامهم النعمة، وائتلفت الفرقة وأقبل أهل يثرب بعضهم على بعض يتساءلون ويستطلعون الخبر، ثم قالوا: إذا كان أسيد بن حضير، وسعد ابن معاذ، وسعد بن عبادة، وهم سادتنا ورؤساؤنا قد أسلموا، ففيم تخلفنا إذا؟
هيا بنا إلى مصعب، لنسلم على يديه، ونؤمن بما جاء به الرسول من ربه، فإن الحق يخرج من بين ثناياه!!
لقد نجح مصعب بتبليغه الرسالة نجاحا منقطع النظير، وهو أول السفراء للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وهذا دليل قاطع على حكمة الرسول (صلى الله عليه وآله) وحسن اختياره.
وتمضي الأيام والأعوام، ويهاجر الرسول (صلى الله عليه وآله) ومن معه إلى يثرب، وتعيش قريش بأحقادها، وتتساءل فيما بينها: كيف فلت محمد من بينها ليلة أعدت صناديدها للهجوم عليه واغتياله، ثم تعد العدة والعدد بباطلها وشركها، لتواصل اعتداءاتها الظالمة للرسول (صلى الله عليه وآله) ومطاردة المؤمنين المسلمين من أصحابه في يثرب، وما أن سمع الرسول (صلى الله عليه وآله) غزو المشركين، حتى توجه إلى ماء بدر ليلتقي بهم هناك قبل أن يصلوا يثرب.
وتلتقي جيوش الشرك الكفرة بجيش الإيمان جيش الرسول (صلى الله عليه وآله) في بدر، وكان الجيشان غير متكافئين من حيث العدة والعدد، حيث إن استعداد قريش كان يفوق أضعاف جيوش المسلمين عدة وعددا، وقد ذكرنا ذلك في المجلد الأول