الأعلام من الصحابة والتابعين - الحاج حسين الشاكري - ج ٧ - الصفحة ٤
في يوم ما وهو يدخل خفية دار الأرقم، ثم رآه مرة أخرى وهو يصلي، فذهب مسرعا إلى أم مصعب حيث ألقى عليها النبأ الذي وقع عليها وقوع الصاعقة.
ووقف مصعب أمام أمه وعشيرته من أشراف مكة من بني عبد الدار، مجتمعين حوله يتلو عليهم من آيات الحق واليقين، وبرباطة جأش، أثبت من الجبال الرواسي. ولما سمعوا منه ذلك جن جنونهم، وهمت أمه أن تسكته بلطمة قاسية على وجهه، لكنها استرخت وتراجعت أمام ذلك النور الساطع الذي زاد وسامة وجهه الذي ألبسه بهاء وجلالا يفرض الاحترام، وهدوءا واطمئنانا يفرض الإقناع.
لكنها أخذته إلى ركن قصي من أركان دارها، وفي زاوية من زواياها أوثقته كتافا وحبسته فيه، وأحكمت عليه إغلاق الدار، وظل رهين حبسه، حتى علم بخروج بعض المؤمنين مهاجرين إلى أرض الحبشة، فاحتال لنفسه مع من ساعده، وغافل أمه وحراسه، ومضى إلى الحبشة مع أول قافلة مهاجرة بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بإمرة عثمان بن مظعون.
ومكث في الحبشة مع إخوانه المؤمنين المهاجرين مدة من الزمن ثم يعود إلى مكة مع من عاد منهم بعد أن طرق سمعهم أن قريشا هادنت المسلمين، ثم هاجر إلى الحبشة مرة ثانية مع المؤمنين والأصحاب الذين أمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالهجرة لما أمعن طغاة المشركين في تعذيب المؤمنين المسلمين بإمرة جعفر بن أبي طالب بعدما تبين له زيف ما سمع من مهادنة المشركين.
سواء كان (مصعب بن عمير) في الحبشة أو في مكة، فإن إيمانه يفوق المكان والزمان، وأينما يكون فهو بطاعة الله ورسوله، ولقد أتم صياغة نفسه على النسق الذي رباه عليه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وجعله نموذجا صالحا مختارا يقتدى به،
(٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 66 67 1 2 3 4 5 6 7 8 9 ... » »»