برأيي، ويضعف عقلي ".
وخرج مصعب من النعمة الوارفة التي كان يعيشها في الشرك، مؤثرا شظف العيش والفاقة في الإسلام على النعيم والبذخ في الشرك، وأصبح ذلك الفتى المتأنق المعطر، لا يرى إلا مرتديا أخشن الثياب، يأكل يوما، ويجوع أياما، ولكن روحه المتعالية بسمو العقيدة والإيمان، والمتألقة بنور الله سبحانه، كانت قد جعلت منه إنسانا آخر يملأ العين بهجة وجلالا، والنفس روعة وحبورا.
ولقد اختار الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) مصعبا لمهمة خطيرة دون الشيوخ من أصحابه ووجهائهم، ليكون أول سفير له إلى المدينة مع النفر الاثني عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى يفقه الأنصار الذي آمنوا وبايعوا الرسول (صلى الله عليه وآله) عند العقبة.
وليدخل غيرهم في دين الله، ويمهد الأرضية الصالحة والقاعدة الراسخة في يثرب ليوم الهجرة العظيم.
وحمل (مصعب) الأمانة بكل جدارة وإخلاص، مستعينا بما أنعم الله عليه من رجاحة العقل والخلق الكريم، وبذلك استولى على عقول وقلوب سادات أهل يثرب من الأوس والخزرج، بكياسته وحسن بلائه، وزهده المميز وتواضعه الآسر وأخلاقه الحميدة، فدخلوا في دين الله أفواجا.
لقد دخل مصعب يثرب وليس فيها سوى اثني عشر مسلما - الذين جاء معهم - وهم الذين آمنوا وبايعوا النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) من قبل (بيعة العقبة الأولى)، ولكنه لم يكد يحل بينهم بضعة أشهر حتى جلب الكثير منهم فاستجابوا لله ولرسوله.
وفي موسم الحج من السنة التالية لبيعة العقبة الأولى كان الذين أسلموا في يثرب يرسلون إلى مكة وفدا يتألف من سبعين رجلا مؤمنا ينوب عنهم إلى رسول