الأعلام من الصحابة والتابعين - الحاج حسين الشاكري - ج ٧ - الصفحة ٥
واطمأن مصعب إلى أن حياته الجديدة صارت جديرة بأن يقدمها قربانا لخالقه العظيم، ولرسوله الكريم، لتثبيت دعائم الإسلام، وتركيز أسس شريعة السماء في الأرض.
دخل يوما على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما أبصروا به حتى أحنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم وذرفت عيونهم دمعا شجيا.
ذلك لأنهم رأوه... يرتدي جلبابا مرقعا بإهاب كبش باليا وعاودتهم صورته الأولى قبل إسلامه، حين كان يرفل بأزهى الثياب وأنظرها ألقا وعطرا.
ونظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليه بنظرات حكيمة، ملئها الحب والحنان وتألقت شفتيه ابتسامة مشرقة، وقال:
[لقد رأيت مصعبا هذا وما كان بمكة فتى أنعم عند أبويه منه، لقد ترك ذلك كله حبا لله ورسوله]!!
حيث منعته أمه حينما يئست من رده إلى الشرك كل ما كانت تفيض عليه من نعمة، وأبت أن يأكل طعامها إنسان هجر آلهتها، حتى لو كان ذلك الإنسان فلذة كبدها.
ولقد كان آخر عهدها به حين حاولت حبسه مرة ثانية بعد رجوعه من الحبشة، فآلى على نفسه لئن فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه.
وإنها لتعلم صدق عزمه إذا هم وعزم فتركته باكية وودعها باكيا، وكشفت لحظة الوداع عن إصرارها العجيب على الكفر، قائلة له وهي تخرجه من بيتها:
إذهب لشأنك لم أعد لك اما، يقابله إصرار الابن على الإيمان حينما اقترب منها وهو يقول: يا أماه إني لك ناصح، وعليك شفيق، فاشهدي أنه لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فأجابته غاضبة: " قسما بالثواقب، لا أدخل في دينك، فيزرى
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 ... » »»