الإسماعيليون والمغول ونصير الدين الطوسي - حسن الأمين - الصفحة ٢٩١
المغولي الهولاكوي، ما عدا الموصل التي لم يعرض لها المغول بشئ أول الأمر إلى أن عادت فثارت عليهم فنالها ما نالها من الأذى. وعدا حلب في بلاد الشام ما يحتاج إلى توسع ليس هذا مكانه.
ولنقارن هذا بالمصير الذي صارت إليه المدن التي دخلها جنگيز جد هولاكو، ولنبدأ بالمدينة الأولى (بخارا): إن بخارا لم تصمد للحصار سوى ثلاثة أيام ثم طلبت الأمان وفتحت أبوابها جنگيز وجيشه، فكان أن انطلق المغول فيها يقتلون وينهبون ويهدمون ويهتكون الأعراض، ثم أشعلوا فيها النار ومضوا عنها إلى سمرقند مستصحبين معهم من سلم من البخاريين أسارى.
وكذلك فعلوا في سمرقند التي دخلوها في شهر المحرم سنة 617 فأعلنوا في المدينة بأن يخرج أهلها جميعا ومن تأخر قتل، فخرج الجميع رجالا ونساء وأطفالا، فأعادوا ما فعلوه في بخارا من القتل والأسر والهتك والتعذيب والتخريب.
وظلوا على ذلك في كل ما فتحوه من مدن، قتلا وأسرا ونهبا وهتكا وتخريبا.
لماذا سار جنگيز ذاك المسار الفظيع فيما اجتاز من بلاد؟ ولماذا لم يسره هولاكو الذي لا يقل عنه شراسة وعنفا واستهانة بإهراق الدماء وإحراق المدن ونهب الشعوب؟!. قد يصعب الجواب عند غير المتعمق في درس وقائع التاريخ وأحداثه وعند غير المدقق في استطلاع رجال التاريخ صانعي تلك الوقائع والأحداث، وعند من ظل أسير رواسب عششت في قلبه وعقله، فلم يتخلص منها...
ولكنه لا يصعب عند من يقدر له الغوص في أعماق التاريخ البعيدة...
البعيدة، وعند من يدرس التاريخ بحثا عن الحقيقة مهما كانت هذه الحقيقة...
مضى جنگيز فيما مضى فيه من أصالة الشر في نفسه لأنه كان يمضي بلا كابح يلوي عنانه ويروض جماحه ويثني من انطلاقه!.
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»