ثم جاء عبد الله بن فضل الشيرازي الذي ألف كتابه حوالي سنة (729 ه - 1328 م) فقال ما ملخصه: أن الخليفة كان منصرفا إلى اللهو والراحة، وكان وزيره ابن العلقمي مستبدا بالأمور، وأن فاجعة الكرخ الذي كان قائدها ابن الخليفة الذي أرسل جنودا أغاروا على الكرخ وأسروا البنين والبنات وبينهم العلويات كانت السبب في نقمة الوزير مما دعاه إلى مراسلة المغول ودعوتهم إلى بغداد.
وهنا يتناقض هؤلاء القوم، فبينا رأينا فيما تقدم أن تمزق الجيش وتشرذمه كان معروفا، إذا بالشيرازي يقول: " إن حصانة بغداد وكثرة جنودها كان أمرا مشهورا، وأنه بينما كان الخليفة منصرفا لسماع الأغاني والاجتماع بالجواي والمغنيات، كان ابن العلقمي يفرق الكلمة ويشرد جميع الأفراد وينفر الجنود، وأن الشرابي والدواتدار يحذرون الخليفة، وابن العلقمي يسخف أقوالهم ".
يقول الشيرازي هذا القول، بينما رأينا فيما تقدم موقف الجند من الشرابي وما جرى بينه وبينهم. كما رأينا أن أمر الجند والجيش لم يكن بيد ابن العلقمي بل بيد الشر أبي نفسه، ثم بعد موته في يد مجاهد الدين إيبك الدواتدار الصغير.
وهكذا يرى القارئ أنه كلما مر الزمن وجاء مفتر جديد، يختلق أشياء جديدة لم يذكره الذي قبله، ويتوسع في الخيال بما يدعم به افتراءه.
فأول هؤلاء أبو شامة لم يزد في اتهامه على نسبة المكيدة لابن العلقمي، ثم توسع المتوسعون ما رأيناه في أقوالهم المتقدمة.
ثم تجئ الفضيحة الكبرى بمجئ ابن شاكر الكتبي المتوفى سنة (746 ه 1362 م) الذي رأى أن لا يكتفي بتكرار ما اخترعه الذين تقدموه وزيادة شئ يمكن أن يكون معقولا. بل عمد إلى شئ مضحك مبك معا، فهو لشدة حرصه على إثبات التهمة، نسي عقله ونحاه جانبا واختلق شيئا لا يمكن أن يختلقه إذا لم يكن عقله منسيا منحى. وفاته أن تصوير أداة الجريمة بالصورة التي صورها بها، كاف لإسقاط التهمة من أساسها فقال:
" لما كان ابن العلقمي يكاتب التتار، تخيل إلى أنه أخذ رجلا وحلق رأسه