حلقا بليغا وكتب ما أراد عليه بالإبر ونفض عليه الكحل وتركه عنده إلى أن طلع عليه شعره وغطى ما كتبه فجهزه وقال: إذا وصلت مرهم بحلق رأسك ودعهم يقرؤون ما فيه. وكان في آخر الكلام: (قطعوا الورقة)، فضربت عنقه، وهذا في غاية المكر والخزي ".
هذه هي الصورة المضحكة المبكية - كما قلنا - التي صور فيها ابن شاكر الكتبي أداة الجريمة فكان بذلك في غاية المكر والخزي: المضحكة لهذا التخيل التفاضح، والمبكية لأن تبلغ الأهواء بمن ائتمنوا على كتابة التاريخ إلى هذا المدى!.
ونسي ابن شاكر أن يبين لنا كيف استطاع صاحب الرأس المكتوب عليه بالأبر، كيف استطاع تحمل آلام الأبر وهي تغرس في رأسه في الرسالة الطويلة!.
ويعلق الدكتور مصطفى جواد على هذا القول مستهزئا: فليت شعري من خبر بهذا الفعل - لو صح - أأبن العلقمي؟ أم الذي قطع رأسه؟ أم المغول الذين يعتبر هذا من أهم أسرارهم؟!.
ثم يجئ تاج الدين السبكي المتوفى سنة (771 ه - 369 م) فتعجبه الصورة التي رسمها ابن شاكر الكتبي فرأى أن يتبناها، ولكنه كغيره ممن تقدموه رأى أن يزيد عليها فقال:
" إنه (ابن العلقمي) حلق رأس شخص وكتب على بالسواد وعمل على ذلك وأصار المكتوب كل حرف كالحفرة في الرأس، ثم تركه عنده حتى طلع شعره وأرسله إليهم ".
كل حرف كالحفرة في الرأس، ومهما كانت الرسالة موجزة - مع أنه ليس من المعقول أن تكون موجزة - فلنتصور كم حفرة تكون قد حفرت في ذلك الرأس..!.
ولم يخبرنا هذا المؤرخ المبدع!! عن الأداة التي حفرت بها تلك الحفر!!
ولا عن حالة صاحب الرأس الذي يحفرون في رأسه الحفرة بعد الحفرة!!