الإسماعيليون والمغول ونصير الدين الطوسي - حسن الأمين - الصفحة ٢٠١
بدراجتين ناريتين خارجتين من القرية. ثم دخلنا القرية عابرين إليها على جسر نهر. وسرنا في الشجر المتكاتف، فأبصرنا في مداخل القرية حمارتين داخلتين إلها.
دراجتان خارجتان، وحمارتان داخلتان! أحدث الحديث وأقدم القديم.
على أن القدم والحداثة هما أقل من القيل ظهورا في هذا المشهد بين وسيلتي النقل: الدراجة والحمارة.
إن القدم والحداثة يبدونان في هذا الموقع وسيظلان يبدو أن في كل ما سنجوزه من مواقع - إنهما يبدوان بمظهرهما المذهل، متمثلا بهذه الفجوة الواسعة بين المكان والزمان.
إن المكان لا يزال على ما خلفه الإسماعيليون النزاريون منذ أكثر من سبعمائة سنة: بيوت طينية واطئة شاحبة، في قرية بدائية متضائلة خابية.
والزمان هو العقد الأخير من القرن العشرين!.
خرجنا من القرية مصعدين في جبال هي بلونها غير الجبال التي عرفناها فيما وراء (راز ميان)، فإذا تنوعت ألوان الجبال هناك من ابيضاض إلى اصفرار إلى اسمرار، فإنها هنا بيضاء تتخللها الصخور السوداء، وفجاء أشرفنا على غابات بعيدة، ولم تلبث الصخور هنا أن عادت بيضاء ابيضاض الجبال.
ابيضاض واسمرار واصفرار نعلل أنفسنا بها هنا في هذه الدروب الموحشة.
تراب أبيض وحجر أسود وصعيد أصفر ومدر أسمر. هذا ما يشغلنا هنا، وهذا ما نحدق فيه في هذه الرواسي الخشنة.
أما الرفاق في بيروت فإن ما يشغلهم فيها هو ما يشغلنا هنا من احمرار وابيضاض واسمرار واسوداد، فكلنا بشر تزدهيهم الألوان ويستهويهم تموجا.
نحن هنا يشغلنا اسمرار الجماد وابيضاضه واسوداده واحمراره، نتحرك إليه وهو ساكن، ونشرف عليه وهو هامد.
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»