على أننا نحن لم نكن نواصل (السرى)، بل (السير) فقط، ولم نكن في مهامه بل في مساكن ومزارع ومغارس وينابيع، ومع ذلك فقد كنا كذلك الشاعر نقطعها (قفرا).
وشتان بين (يعملات كالقسي) كانت تقلنا، وإذا استطاعت شاعريته أن تجد تشبيها جميلا (ليعملاته)، فقد عجزت أنا عن أن أجد مشبها به لهذه (الجيب) الضخمة القوية!.
وما كان أرقعه وأعذبه وهو يتحدث عن الهوى وأصحاب الهوى، وأن المسرى في المهامه المقفرة، على مشقاته، كان يطيب بمجرد تذكر من يهوى، والتحديث إليه، تفاوضا بينه وبين الحبيب الماثل في خاطره!.
أيها البعيدون هناك في بيروت وبغداد ودمشق وشقرا، إننا كنا كهذا الشاعر نستطيب المسرى المجهد حين نتذكركم!.
ورحنا ننحدر وننحدر، والشعر البدوي ملء الذهن، فإذا (المشبه به) الذي عجزت عن إيجاده لأضيفه إلى (الجيب) المتحدرة التي تحتوينا، إذا بذاك الشعر يمدني به، وإذا بي لا أجد لإحدى معجزات الحضارة إلا مشبها به مستمدا من صميم شعر البداوة، إن هذه الجيب) المنحدرة بنا بقوة كانت كما قال امرؤ القيس: (كجلمود صخر حطه السيل من عل)!.
وبينا نحن ننحدر في طريق مقفر من كل إنسان، إذا بدراجة نارية تفاجئنا صاعدة بدويها المعهود.
ومرت بطيئة السير، تصداه العقاب عن الانطلاق، وتلاقينا معها، تصدنا الوهاد عن الانطلاق، كنا هابطين مبطئين، وكانت صاعدة مبطئة، فكنا كلانا في هذا الطريق الترابي المثير للغبار، وبما عبرنا به، وبما نعبر من بيوت طينية في القرى الضاوية..
كنا جميعا صورة للحياة في هذه الأرض: حضارة متثاقلة الخطى، يلفها العجاج ويعيقها المهبط والمصعد!.