الإسماعيليون والمغول ونصير الدين الطوسي - حسن الأمين - الصفحة ٢٠٤
كان في حاجة إلى اصطناع الجنان، وعنده مثل) خارود) الجنة الطبيعية الرائعة.
وكم لخارود من نظائر في ديار الصباح.
وفجأة انطلق من بين الجالسين قريبا منا صوت رقيق عذب، ولكنه في الوقت نفسه هدار، انطلق من فوق صخرة شماء ينشد شعراء فارسيا إنشادا استفزه له ما في هذا الذي فيه من روض وجبل وواد وينبوع، اجتمعت فكان منها أعذب ما تحلم به العين من مرائي الوجود، وكان يعوزها التعبير الصوتي، فانطلق ينشد الشعر إنشادا هو قطعة من هذا الجمال الأخاذ...
ولكنه لم ينشده غزليا كما قد يفعل من تستفزهم مثل هذه الطبيعة الوهاجة، ولم يردده منبعثا عن شوق لحبيب غائب وتلهفا على لقاء مرغوب.
لم أكن أفهم ما يقول، ولكنني كنت أفهم كلمة واحدة من كل ما كان يرتل هذا المرتل الغريد، هذه الكلمة أفهمتني كل ما كان يجب أن أفهمهه من مضمون هذا الشعر، كنت أفهم كلمة (علي)!.
فلم أملك الدمع أن يفيض من عيني وأنا هنا في هذا المنتأى البعيد، وفوق هذه الرواسي الشامخة، وعلى هذه المشارف الباذخة أسمع اسم علي تتجاوب به السباسب والانجاد، وتتنادى به الذرى والوهادت.
إلى اللقاء تلاتر ثم خارود هما منتهى مجال المملكة (الصباحية النزارية)، إذا إننا بوصولنا إليهما نكون بلغنا الحدود الشمالية الغريبة لتلك المملكة، وما بعد خارود وجبالها تبدأ حدود لديار أخرى تعرف اليوم باسم (أشكور).
على الينابيع الفوارة في قلب القمة العالية وفوق الوادي الغضيض الشجير هنا في خارود نغيب في مطاوي الزمن البعيد متنقلين من عام إلى عام ومن قرن إلى قرن، ومن رجال إلى رجال، ومن قوم إلى قوم
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»