والحديث عن مواقعها، ولم تكن عسكرية العيش فدائية التحرك، عيشا لا تعدوه وتحركا لا يميزها غيره.
هناك على القلعة الشامخة فوق الجبل قلعة (لمبسر) بوحشتها وانقطاعها، هناك تتحرك عقول العسكريين وتدبر مؤامرات الفدائيين.
وهنا في الوادي البهيج في (رازميان) تنطلق الحياة مرحة في ظلال الشجر وانبساط العشب وتدفق الماء.
هنا تتحرك أيدي المزارعين وأقدام الفلاحين وأفكار الشاعرين والكاتبين.
فمن القمم ومن السهول، من الصخور الصلدة والغصون الغضة، من غلظة الجبل ورقة الوادي، من تمازج ذلك كله وتفاعله كانت تتألف مملكة حسن الصباح وخلفائه، فكان لها ما كان من الدوي الصاخب في مطاوي التاريخ.
طال انحدارانا بين المرائي الطبيعية الجميلة، الجبلي منها والودياني، فقد تجلى لنا الآن الوادي الخصيب الروي، ووضح بكل معالمه الرحبة المنطقة في كل مكان بحسنها الريان.
ورحنا ننحدر في طريق مقفر من كل إنسان، هذا الأقفار المتوالي الذي نشهده هنا في هذه الأرض المخصاب على هذا الطريق المفترع للجبال والآكام والوهاد.
هذا الأقفار العجيب أعاد إلى ذهني وحشة الشعراء القدامي وهم يجوبون البوادي على ظهور الإبل، وحشتهم من توحدهم في سيرهم الطويل، فألهمهم ذلك شعراء جميلا، رحت أكد ذاكرتي لتسعفني بشئ مما استظهره منه متمثلا به هنا في هذه السبل القفراء، فكان أول ما عن علي الذهن من ذلك قصيدة جاء في أولها:
وصلنا السرى بالسير نقطعها قفرا * مهامه لا تهدى إليها القطا إثرا على يعملات كالقسى تفاوضت * أحاديث من تهوى فطاب لها المسرى