الإسماعيليون والمغول ونصير الدين الطوسي - حسن الأمين - الصفحة ١٩٦
عالية وأغوارا هاوية، فليس كل ذلك إلا خطا رفاعيا أول - على التعبير العسكري الحديث - يصد من تسول له نفسه التقدم إلى القلب.
ولم يلبث الجبل أن صار إلى يسارنا، والوادي السحيق إلى يميننا، وكانت بعض القرى الشجراء تتناثر في الوادي.
وبعد السيارات الثلاث أقفر الطريق إقفارا كاملا، وبقينا وحدنا في هذا الطريق الطويل غير العريض.
ثم تشعبت الجبال والأودية إلى يميننا وتداخل بعضها في بعض، وأخذنا بالانحدار بعد التصعيد المستمر، وفجأة أبصرنا (منحلا) كبيرا في وسط البرية الواسعة المقفرة، وأحسن مربو النحل اختيار المكان المعشب المزهر لاجتناء العسل، ولكن أين هم أصحاب هذا (المنحل) المنتشر على مساحة واسعة؟ إننا لم نحس إنسانا في طول هذا الطريق الطويل وفي عرض هذه الدنيا العريضة التي نجتازها!.
وأوغلنا في انحدار متواصل ففوجئنا بشاحنة ثم بأخرى في اتجاهنا، واشتد الانحدار اشتدادا سيوصلنا إلى الوادي العظيم الفاصل بين السلسلتين العظيمتين:
السلسلة التي ننحدر منها والسلسلة التي نمشي إليها. وتنوعت أمامنا مناظر الطبيعة الأخاذة التي تشده بأفانين جمالها. كل ذلك في طريق مقفر وأرض خالية حتى لتحسب أن لا بشر هنا.
وإذا كان الشاعر العربي القديم قال:
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى * وصوت إنسان فكدت أطير فإننا كنا نتمنى لو يعوي الذئب أو يصوت الإنسان فنستأنس بالاثنين ولا نحس بوحشة الكون الخالي من الإنسان والحيوان.
وأبواق السيارات التي طالما دوت في آذاننا كريهة الدوي كنا نتمنى لو تدوي هنا فتكون حبيبة الدوي سائغة الزعيق.
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»