ولكن المشرك يرى أن العزة بيد الأصنام والأوثان يقول سبحانه حاكيا عن عقيدته:
* (واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا) * (مريم / 81).
إن الموحد لا يثبت شيئا من صفاته سبحانه، وأفعاله، لغيره ولا يرى له مثيلا ولا نظيرا في الصفات والأفعال فهو المتفرد في جماله وكماله، وفي أسمائه و صفاته، وفي أعماله وأفعاله، ولكن المشرك يسوي الأصنام برب العالمين إذ يقول سبحانه حاكيا عنهم: * (تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين) * (الشعراء / 97 - 98) وإذا لم تكن التسوية متحققة في تمام الشؤون فقد كانت متحققة في بعضها فقد كانوا عندهم مالكين للشفاعة النافذة التي لا ترد، ولغفران الذنوب، فلأجل ذلك تركز الآيات على أن الشفاعة لله والمغفرة بيده، يقول سبحانه: * (قل لله الشفاعة جميعا) * (الزمر / 44) ويقول: * (ومن يغفر الذنوب إلا الله) * (آل عمران / 135) إن النبي إبراهيم يصف ربه بقوله: * (الذي خلقني فهو يهدين * والذي يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين * والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) * (الشعراء / 78 - 82) وهو في هذا المقام يحاول رد عقيدة المشركين حيث كانوا يثبتون بعض هذه الأفعال لما يعبدون من الأجرام السماوية والأرضية.
وحصيلة الكلام أن التاريخ القطعي وآيات الذكر الحكيم متفقان على أن خضوع المشركين لم يكن مجرد عمل دون أن يكون نابعا من الاعتقاد الخاص في حق معبوداتهم ولم تكن عقيدتهم سوى إثبات ما لرب العالمين من الشؤون، كلها أو بعضها لهم، ولأجل ذلك كانوا يتذللون أمامهم.
هذه هي الطريقة الأولى لاستكشاف مدخلية العنصر الأول في صدق العبادة وقد وقفنا عليها من طريق الامعان في عبادة الموحدين والمشركين وإليك الكلام في الطريقة الثانية.