الإسلام والشيعة الإمامية في أساسها التاريخي - محمود الشهابي الخراساني - الصفحة ٤٢
في ما يصح الاستناد به في ما لم يوجد فيه نص في الكتاب ولا في السنة، وهذا الاختلاف ليس مخصوصا بأحد الفريقين بل المذاهب كلها فيه سواسية. والإجماع، وسيرة أهل - المدينة (على رأي الإمام مالك) والعقل والقياس، والاستحسان، والمصالح المراسلة وإن كان لكل قائل بصحة الاستناد في مذهب ولكنه ليس الكل مورد الإنفاق للكل بل وحتى ما يكون حجيته منسوبة إلى مذهب ليست حجيته مجمعا عليها في ذاك - المذهب، وعى أي حال لكل مذهب حجة على ما اختار وإليه ذهب.
وهيهنا اختلاف آخر ليس هو أيضا مخصوص بمذهب دون مذهب وهو في ما به يتحقق اعتبار السنة من حيث السند.
فالشيعة تعتبرها إذا كان الإسناد فيها عن عدول ينتهي إلى أهل البيت وعترة الرسول (المعهودين) ومنهم إلى جدهم، أو كان عن عدول ينتهي إلى أحد من الصحابة الذين ثبتت عندها عدالتهم، وغير الشيعة لا يلتزمون بذلك بل قل ما أن يستندوا بحديث كان بذاك الإسناد، بل قد يعبرون لإثبات ضعف حديث عن طريق ولطرحه وجرحه بأن " فيه فلان وهو رافضي - أو شيعي -! " أو " رافضي خبيث! " أو " رافضي كاذب " أو " شيعي لا يعبأ بقوله! " وأحسن تعبيرهم في المقام " إنه متهم " أو " متهم بالرفض - أو التشيع " والعجيب المؤسف إنه قد يصرحون بكون رجل من الشيعة " موصوفا بكثرة العبادة " أو " غير كاذب " أو " موثقا عند يحيى بن معين " (وهو أحد الخراريت عندهم، كالإمام بن حنبل) ومع ذلك لا يعتبرون قوله (مع اعتبارهم قول الخوارج، باستناد عدم كذبهم! ") 1

1 - ويكفي للأنموذج والمثل أن تنظر إلى ما أورده العالم المفضال، السبكي في كتابه " طبقات الشافعية " وترى التعصب في ما قال. قال بإسناده عن أبي الصلت، عبد السلام بن صالح الهروي أنه قال: " حدثنا علي بن موسى، الرضا، بن جعفر بن محمد بن علي - بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، عن علي أنه قال: قال الرسول الله (ص):
" الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان " ثم قال السبكي: إن مدار هذا الحديث علي بن أبي الصلت، وهو، وإن كان موصوفا بكثرة العبادة، غير محتج به عند المحدثين! قال الدارقطني:
" رافضي خبيث، متهم بوضع حديث الإيمان " وقال العقيلي: " رافضي خبيث " وقال أبو حاتم: " لم يكن عندي بصدوق " وقال ابن عدي: " متهم " وقال النسائي: " ليس بثقة " ومع هذا الجرح لا يعتبر قول عباس - الدوري: " إن يحيى كان يوثقه "! ولا قول ابن محرز: " إنه ليس ممن يكذب "!
وأبو الصلت هذا هو الذي حدث عنه أبو نعيم الأصفهاني في " الحلية " بإسناده عن " أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي حدثنا علي بن موسى، الرضا، حدثني أبي، موسى بن جعفر، حدثني أبي، جعفر بن محمد، حدثني أبي، محمد بن علي، حدثني أبي، علي بن الحسين بن علي، حدثني أبي، علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهم حدثنا رسول الله (ص) عن جبريل عليه السلام قال: قال الله عز وجل: إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني، من جائني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله بالإخلاص دخل في حصني ومن دخل في حصني أمن من عذابي ".
ثم قال أبو نعيم: " هذا حديث ثابت مشهور بهذا الإسناد من رواية الطاهرين عن آبائهم الطيبين. وكان بعض سلفنا من الحدثين إذا روى هذا الإسناد، قال: " لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لأفاق " فانظر ما أورده أبو نعيم ووازنه مع ما أورده السبكي تعرف ما تفعل العصبية. (المجلد الثالث - الصفحة ال 92 -)
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»