الإسلام والشيعة الإمامية في أساسها التاريخي - محمود الشهابي الخراساني - الصفحة ٥٣
" قال: نعم.
" قال: بكم.
قال: بستين ألف دينار، ولولا خلة أصابت الحي لم أبعها.
" قال: لقد اغليت.
" قال: أما لو كانت لبعض أصحابك لأخذتها بستمأة ألف دينار! ثم لم تبال!
" قال: أجل، وإذ بخلت بأرضك فأنشدني شعر أبيك يرثي نفسه.
فقال: قال أبي:
" يا ليت شعري حين أندب هالكا... " الخ.
" فقال: أنا كنت بهذا العشر أولى من أبيك.
" قال: كذبت، ولؤمت!
" قال: أما " كذبت " فنعم! وأما " لؤمت فلم؟
" قال: " لأنك كنت ميت الحق في الجاهلية، وميته في الإسلام. أما في - الجاهلية فقاتلت النبي (ص) والوحي حتى جعل كيدك المردود، وأما في الإسلام فمنعت ولد رسول الله (ص) الخلافة، وما أنت وهي وأنت طليق بن طليق؟... " كذلك كان معاوية في بيته وفي نسبه، وباعتبار نفسه وحسبه، وكان معاندا كأبيه وأمه رسول الإسلام ولما فتحت مكة عام 8 وصار طليقا دخل في الإسلام قهرا.
وفي خلافة عمر (رض) صار بأمره أميرا على الشام ولكنه خالف في أمارته سيرة الخليفة، حتى قال عمر (رض) حين وروده بالشام وشهوده دبدبته وكبكبته وخدمه وحشمه:
هذا كسرى العرب! " وعنفه على ذلك وعيره، ولكنه ما غيره، بل استحسن بهذا القول عمله وقرره 1.

1 - ولا تعجب من كلام مصحح " العواصم حيث استصح كسروية معاوية بما قال:
" وقد يظن من لأنظر له في حياة الشعوب وسياستها إن الحاكم يستطيع أن يكون كما يريد أن يكون، حيثما يكون، وهذا خطأ فللبيئة من التأثير في الحاكم! وفي نظام الحكم!
أكثر مما للحاكم ونظام الحكم من التأثير على البيئة!... " وذلك لأنه وأضرابه ينظرون إلى الإسلام نظر من لا يرى أن الحكومة المطلقة في جميع الشؤون وفي كل المناطق والبيئات لا بد وأن تكون لله ولرسوله وللقرآن والإسلام، فلا حكومة إلا حكومة الإسلام، ولا نظام إلا نظامه. الإسلام يصوغ البيئة، ويسوق الناس على وفق أحكامه، ولا معنى لتأثيرها في حكامه. ثم كان المصحح نسي أو تناسى ما قال للدفاع عن معاوية فقال في التعليق الطوال الذي عقله على كلام المصنف (وتكون ولاية الملك لابتداء معاوية - ص 207): " والذين لا يعرفون سيرة معاوية! يستغربون إذا قلت لهم، إنه كان من الزاهدين! والصفوة - الصالحين!) ثم روى عن أبي حملة أنه قال: " رأيت معاوية على المنبر بدمشق يخطب - الناس وعليه ثوب مرقوع! وأكد ذلك برواية أخرى عن يونس بن ميسر أنه قال: " رأيت معاوية في سوق دمشق وهو مردف ورائه وصيفا! وعلى قميص مرقوع الجيب! يسير في أسواق دمشق! " فانظر هذه الروايات وتأسف وقل: " ويحك يا مسكين! يا كسرى - العرب! الدهر أنزلك حتى أردفت وصيفك! ولبست قميصا مرقوع الجيب! كأنك نسيت إنك في الشام وفي بيئة لا بد أن يحكم عليك نظامه القيصري! "
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»