الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ٧٥
ولقد زهد صلوات الله عليه في الدنيا وأحب للناس أن يأخذوا منها حاجاتهم، ولو أعطاهم من عنده ما يخلف لديه خصاصة. فما أوفقه سلام الله عليه مصداقا لقول جده المصطفى صلى الله عليه وآله: ما جبل ولي الله إلا على السخاء، والسخاء ما يقع على كل محبوب أقله الدنيا، ومن علامات السخاء أن لا يبالي من أكل الدنيا، ومن ملكها، مؤمن أو كافر، ومطيع أو عاص، وشريف أو وضيع، يطعم غيره ويجوع، ويكسو غيره ويعرى، ويعطي غيره ويمتنع من قبول عطاء غيره، ويمن بذلك ولا يمن ولو ملك الدنيا بأجمعها، لم ير نفسه فيها إلا أجنبيا، ولو بذلها في ذات الله عز وجل في ساعة واحدة ما مل ء (1). أو في رواية: ما مل.
فالسخي من بذل ولم يخش الفقر، وأطعم غيره وجاع، وأعطى غيره وامتنع من قبول عطاء غيره، إذا كان ذلك الغير مغرضا، أو كان السخي يخشى على نفسه الطمع. إذن فالسخاء ما حظي بخصلة العفة والإباء، فهذا من كرم النفس وعزتها، ولقد ذكر لنا التاريخ أن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام قال: إن الحسن والحسين عليهما السلام كانا لا يقبلان جوائز معاوية بن أبي سفيان (2). ذلك أن معاوية كان يحاول بجوائزه أن يستميل الإمامين عليهما السلام - وحاشاهما - ليقولا له بالإمامة الشرعية، والخلافة على المسلمين، وهيهات هيهات ذلك. هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان يحاول أن يقول للناس إن الأئمة - حاشاهم - أهل دنيا، ألا ترون كيف يفرحون بالهدايا، ويطمعون بالعطايا، ويتنازلون بذلك عن شؤون الدين وأمور

١ - مصباح الشريعة: ٨٢، الباب 36 - في السخاء.
2 - مسند الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام: 44.
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»
الفهرست