بعد شهادة أبي عبد الله الحسين " عليه السلام " في حلك دامس من فقد تلك الأنوار الساطعة، بين رحل منتهب، وخباء محترق، وفرق سائد، وحماة صرعى، لا محام لهن ولا كفيل.. نعم، كان بينهن صراخ الصبية وأنين الفتيات، ونشيج الوالهات (1).
ولما سير ابن سعد الرؤوس - رؤوس شهداء الطف -، أقام مع الجيش إلى الزوال من اليوم الحادي عشر، فجمع قتلاه وصلى عليهم ودفنهم، وترك سيد شباب أهل الجنة، وريحانة الرسول الأكرم، ومن معه من أهل بيته وصحبه بلا دفن (2)، تسفي عليهم الصبا. وبعد الزوال ارتحل إلى الكوفة ومعه نساء الحسين وصبيته وجواريه وعيالات الأصحاب، وكن عشرين امرأة (3). وسيروهن على أقتاب الجمال بغير وطاء، كما يساق سبي الترك والروم، وهن ودائع خير الأنبياء، ومعهن السجاد وقد أنهكته العلة (4)، ومعه ولده الباقر وله سنتان وشهور (5).
فقلن النسوة: بالله عليكم إلا ما مررتم بنا على القتلى. ولما نظرن إليهم مقطعي الأوصال، قد طعمتهم سمر الرماح، ونهلت من دمائهم بيض الصفاح، وطحنتهم الخيل بسنابكها، صحن (6) وصاحت زينب: يا محمداه! هذا حسين بالعراء، مرمل بالدماء، مقطع الأعضاء، وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة.
فأبكت كل عدو وصديق (7). ثم بسطت يديها تحت بدنه المقدس ورفعته