رافعا صوته:
اللهم إليك أنيب، فتب علي، فقد أرعبت قلوب أوليائك، وأولاد نبيك.
يا أبا عبد الله! إني تائب، فهل لي من توبة.
فقال الحسين (عليه السلام) - وهو العفو -: نعم، يتوب الله عليك (1).
فسره قوله، وتيقن الحياة الأبدية والنعيم الدائم، ووضح له قول الهاتف لما خرج من الكوفة فحدث الحسين (عليه السلام) بحديث قال فيه: لما خرجت من الكوفة نوديت: أبشر يا حر بالجنة، فقلت: ويل للحر يبشر بالجنة وهو يسير إلى حرب ابن بنت رسول الله! (2) فقال له الحسين عليه السلام: لقد أصبت خيرا وأجرا. وكان مع الحر غلام له تركي (3). ثم استأذن الحر الحسين في أن يكلم القوم، فأذن له، فنادى بأعلى صوته:
يا أهل الكوفة! لأمكم الهبل والعبر، إذ دعوتموه وأخذتم بكظمه، وأحطتم به من كل جانب فمنعتموه التوجه إلى بلاد الله العريضة حتى يأمن وأهل بيته، وأصبح كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، وحلأتموه ونساءه وصبيته وصحبه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهود والنصارى والمجوس، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه! وها هم قد صرعهم العطش، بئسما خلفتم محمدا في ذريته، لا سقاكم الله يوم الظمأ.
فحملت على الحر رجالة ترميه بالنبل، فتقهقر حتى وقف أمام الحسين (عليه السلام) (4).