النوع من التقية، فتخصيص التقية بالتقية من الكافر فحسب جمود على ظاهر الآية وسد لباب الفهم، ورفض للملاك الذي شرعت لأجله التقية، وإعدام لحكم العقل القاضي بحفظ الأهم إذا عارض المهم.
والتاريخ بين أيدينا يحدثنا بوضوح عن لجوء جملة معروفة من كبار المسلمين إلى التقية في ظروف عصيبة أوشكت أن تودي بحياتهم وبما يملكون، وخير مثال على ذلك ما أورده الطبري في تاريخه (7: 195 - 206) عن محاولة المأمون دفع وجوه القضاة والمحدثين في زمانه إلى الإقرار بخلق القرآن قسرا حتى وإن استلزم ذلك قتل الجميع دون رحمة، ولما أبصر أولئك المحدثون حد السيف مشهرا عمدوا إلى مصانعة المأمون في دعواه وأسروا معتقدهم في صدورهم، ولما عوتبوا على ما ذهبوا إليه من موافقة المأمون، برروا عملهم بعمل عمار بن ياسر حين أكره على الشرك وقلبه مطمئن بالإيمان، والقصة شهيرة وصريحة في جواز اللجوء إلى التقية التي دأب البعض على التشنيع فيها على الشيعة، وكأنهم هم الذين ابتدعوها من بنات أفكارهم دون أن تكون لها قواعد وأصول إسلامية ثابتة ومعلومة.
الظروف العصيبة التي مرت بها الشيعة الذي دفع بالشيعة إلى التقية بين إخوانهم وأبناء دينهم إنما هو الخوف من السلطات الغاشمة، فلو لم يكن هناك في غابر القرون - من عصر الأمويين ثم العباسيين والعثمانيين - أي ضغط على الشيعة، ولم تكن بلادهم وعقر دارهم مخضبة بدمائهم - والتاريخ خير شاهد على ذلك - كان من المعقول أن تنسى الشيعة كلمة التقية، وأن تحذفها من ديوان حياتها، ولكن يا للأسف!! فإن كثيرا من إخوانهم