وإذا كانوا يقولون - وذاك هو العجيب - إن الخروج على الإمام علي (عليه السلام) غير مضر بعدالة الخارجين والثائرين عليه، وفي مقدمتهم طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة، وإن إثارة الفتن في صفين - التي انتهت إلى قتل كثير من الصحابة والتابعين، وإراقة دماء الآلاف من العراقيين والشاميين - لا تنقص شيئا من ورع المحاربين، وهم بعد ذلك مجتهدون معذورون لهم ثواب من اجتهد وأخطأ، فلم لا يتعامل مع الشيعة ضمن هذا الفهم، ويذهب إلى أنهم معذورون ومثابون!!
نعم كانت التقية بين الشيعة تزداد تارة وتتضاءل أخرى، حسب قوة الضغط وضآلته، فشتان ما بين عصر المأمون الذي يجيز مادحي أهل البيت، ويكرم العلويين، وبين عصر المتوكل الذي يقطع لسان ذاكرهم بفضيلة.
فهذا ابن السكيت أحد أعلام الأدب في زمن المتوكل، وقد اختاره معلما لولديه فسأله يوما: أيهما أحب إليك ابناي هذان أم الحسن والحسين؟ قال ابن السكيت: والله إن قنبر خادم علي (عليه السلام) خير منك ومن ابنيك. فقال المتوكل: سلوا لسانه من قفاه، ففعلوا ذلك به فمات. وذلك في ليلة الاثنين لخمس خلون من رجب سنة أربع وأربعين ومائتين، وقيل ثلاث وأربعين، وكان عمره ثمانيا وخمسين سنة. ولما مات سير المتوكل لولده يوسف عشرة آلاف درهم وقال: هذه دية والدك!! (1).
وهذا ابن الرومي الشاعر العبقري يقول في قصيدته التي يرثي بها يحيى بن عمر ابن الحسين بن زيد بن علي:
أكل أوان للنبي محمد * قتيل زكي بالدماء مضرج بني المصطفى كم يأكل الناس شلوكم * لبلواكم عما قليل مفرج