أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٤٢٢
فلا يصح الاعتماد على كل ما يقولون ويكتبون وينشرون، إذ من المحتمل جدا أن تكون هذه الكتب دعايات والواقع عندهم غيرها. هذا ما نسمعه منهم مرة بعد مرة، ويكرره الكاتب الباكستاني " إحسان إلهي ظهير " في كتبه السقيمة التي يتحامل بها على الشيعة.
ولكن نلفت نظر القارئ الكريم إلى أن مجال التقية إنما هو في حدود القضايا الشخصية الجزئية عند وجود الخوف على النفس والنفيس، فإذا دلت القرائن على أن في إظهار العقيدة أو تطبيق العمل على مذهب أهل البيت - يحتمل أن يدفع بالمؤمن إلى الضرر يصبح هذا المورد من مواردها، ويحكم العقل والشرع بلزوم الاتقاء حتى يصون بذلك نفسه ونفيسه عن الخطر. وأما الأمور الكلية الخارجة عن إطار الخوف فلا تتصور فيها التقية، والكتب المنتشرة من جانب الشيعة داخلة في هذا النوع الأخير، إذ لا خوف هناك حتى يكتب خلاف ما يعتقد، حيث لم يكن هناك لزوم للكتابة أصلا في هذه الحال، فله أن يسكت ولا يكتب شيئا.
فما يدعيه هؤلاء أن هذه الكتب دعايات لا واقعيات ناشئ عن عدم معرفتهم بحقيقة التقية عند الشيعة.
والحاصل: أن الشيعة إنما كانت تتقي في عصر لم تكن لهم دولة تحميهم، ولا قدرة ولا منعة تدفع عنهم الأخطار. وأما هذه الأعصار فلا مسوغ ولا مبرر للتقية إلا في موارد خاصة.
إن الشيعة - وكما ذكرنا - لم تلجأ إلى التقية إلا بعد أن اضطرت إلى ذلك، وهو حق لا أعتقد أن يخالفها فيه أحد ينظر إلى الأمور بلبه لا بعواطفه، إلا أن من الثوابت الصحيحة بقاء هذه التقية - إلا في حدود ضيقة - تنحصر في مستوى الفتاوى، ولم تترجم إلا قليلا على المستوى العملي، بل كانوا عمليا من أكثر الناس تضحية، وبوسع كل باحث أن يرجع إلى مواقف رجال الشيعة مع معاوية وغيره
(٤٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 417 418 419 420 421 422 423 424 425 426 427 ... » »»