ومن ذلك إطلاق التقوى على إطاعة الله، لأن المطيع يتخذها وقاية من النار والعذاب. والمراد هو التحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق.
مفهومها إذا كانت التقية هي اتخاذ الوقاية من الشر، فمفهومها في الكتاب والسنة هو: إظهار الكفر وإبطان الإيمان، أو التظاهر بالباطل وإخفاء الحق. وإذا كان هذا مفهومها، فهي تقابل النفاق، تقابل الإيمان والكفر، فإن النفاق ضدها وخلافها، فهو عبارة عن إظهار الإيمان وإبطان الكفر، والتظاهر بالحق وإخفاء الباطل، ومع وجود هذا التباين بينهما فلا يصح عدها من فروع النفاق. نعم من فسر النفاق بمطلق مخالفة الظاهر للباطن، وبه صور التقية - الواردة في الكتاب والسنة - من فروعه، فقد فسره بمفهوم أوسع مما هو عليه في القرآن، فإنه يعرف المنافقين المتظاهرين بالإيمان والمبطنين للكفر بقوله تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} (1) فإذا كان هذا حد المنافق فكيف يعم من يستعمل التقية تجاه الكفار والعصاة، فيخفي إيمانه ويظهر الموافقة لغاية صيانة النفس والنفيس، والعرض والمال من التعرض؟!
ويظهر صدق ذلك إذا وقفنا على ورودها في التشريع الإسلامي، ولو كانت من قسم النفاق، لكان ذلك أمرا بالقبح ويستحيل على الحكيم أن يأمر به: {قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون} (2).