أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٤١٦
على الخلق " ما هذا نصه: " وزاد الحق غموضا وخفاء أمران: أحدهما: خوف العارفين - مع قلتهم - من علماء السوء وسلاطين الجور وشياطين الخلق مع جواز التقية عند ذلك بنص القرآن، وإجماع أهل الإسلام، وما زال الخوف مانعا من إظهار الحق، ولا برح المحق عدوا لأكثر الخلق، وقد صح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال في ذلك العصر الأول: " حفظت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعاءين، أما أحدهما فبثثته في الناس، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم " (1).
3 - وقال المراغي في تفسير قوله سبحانه: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}: ويدخل في التقية مداراة الكفرة والظلمة والفسقة، وإلانة الكلام لهم، والتبسم في وجوههم، وبذل المال لهم، لكف أذاهم وصيانة العرض منهم، ولا يعد هذا من الموالاة المنهي عنها، بل هو مشروع، فقد أخرج الطبراني قوله (صلى الله عليه وآله): " ما وقى المؤمن به عرضه فهو صدقة " (2).
إن الشيعة تتقي الكفار في ظروف خاصة لنفس الغاية التي لأجلها يتقيهم السني، غير أن الشيعي ولأسباب لا تخفى، يلجأ إلى اتقاء أخيه المسلم لا قصور في الشيعي، بل في أخيه الذي دفعه إلى ذلك، لأنه يدرك أن الفتك والقتل مصيره إذا صرح بمعتقده الذي هو موافق لأصول الشرع الإسلامي وعقائده، نعم كان الشيعي وإلى وقت قريب يتحاشى أن يقول: إن الله ليس له جهة، أو إنه تعالى لا يرى يوم القيامة، وإن المرجعية العلمية والسياسية لأهل البيت بعد رحيل النبي الأكرم، أو إن حكم المتعة غير منسوخ، فإن الشيعي إذا صرح بهذه الحقائق - التي استنبطت من الكتاب والسنة - سوف يعرض نفسه ونفيسه للمهالك والمخاطر.
وقد مر عليك كلام الرازي وجمال الدين القاسمي والمراغي الصريح في جواز هذا

(1) جمال الدين القاسمي، محاسن التأويل: 4: 82.
(2) مصطفى المراغي، التفسير 3: 136.
(٤١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 411 412 413 414 415 416 417 418 419 420 421 ... » »»