وهذا ما صنعه القرآن حين وضع للفرد المسلم طابعه الروحي الخاص، وطور من مقاييسه ومثله، وانتزعه من الأرض وأهدافها المحدودة، إلى آفاق أرحب وأهداف أسمى:
﴿زين للناس حب الشهوات: من النساء، والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة والأنعام، والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا، والله عنده حسن المآب * قل أؤنبئكم بخير من ذلكم؟: للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، وأزواج مطهرة ورضوان من الله. والله بصير بالعباد﴾ (1).
هذه هي معركة التحرير في المحتوى الداخلي للإنسان، وهي في نفس الوقت الأساس الأول والرئيس لتحرير الإنسانية في نظر الإسلام، وبدونها تصبح كل حرية زيفا وخداعا، وبالتالي أسرا وقيدا.
ونحن نجد في هذا الضوء القرآني: ان الطريقة التي استعان بها القرآن على انتشال الإنسانية من ربقة الشهوات وعبوديات اللذة.. هي الطريقة العامة التي يستعملها الإسلام دائما في تربية الإنسانية في كل المجالات: طريقة التوحيد. فالإسلام حين يحرر الإنسان من عبودية الأرض ولذائذها الخاطفة، يربطه بالسماء وجنانها ومثلها ورضوان من الله، لان التوحيد عند الإسلام هو سند الإنسانية في تحررها الداخلي من كل العبوديات كما أنه سند التحرر الإنساني في كل المجالات.
ويكفينا مثل واحد _ مر بنا في فصل سابق _ لنعرف النتائج الباهرة التي تمخض عنها هذا التحرير، ومدى الفرق بين حرية الإنسان القرآني الحقيقية،