العربة هي عربة الحرية بالرغم من هذه الأغلال وهذه القيود التي وضعت في يديها.
اما كيف عادت الحرية قيدا؟!، وكيف أدى الانطلاق إلى تلك الأغلال، التي تجر العربة في اتجاه محتوم، وأفاقت الإنسانية على هذا الواقع المر في نهاية المطاف؟!. فهذا كله ما قدره الإسلام قبل أربعة عشر قرنا، حين لم يكتف بتوفير هذا المعنى السطحي من الحرية للإنسان، الذي مني بكل هذه التناقضات في التجربة الحياتية الحديثة للإنسان الغربي.. وانما ذهب إلى أبعد حد من ذلك، وجاء بمفهوم أعمق للحرية، وأعلنها ثورة، لا على الأغلال والقيود بشكلها الظاهري فحسب بل على جذورها النفسية والفكرية وبهذا كفل للإنسان أرقى وأنزه اشكال الحرية التي ذاقها الناس على مر التاريخ.
ولئن كانت الحرية في الحضارات الغربية تبدأ من التحرر لتنتهي إلى ألوان من العبودية والاغلال، كما سنوضح فان الحرية الرحيبة في الإسلام على العكس، لأنها تبدأ من العبودية المخلصة لله تعالى. لتنتهي إلى التحرر من كل أشكال العبودية المهينة.
يبدأ الإسلام عمليته في تحرير الإنسانية من المحتوى الداخلي للإنسان نفسه، لأنه يرى أن منح الإنسان الحرية ليس أن يقال له: هذا هو الطريق قد أخليناه لك فسر بسلام..
وإنما يصبح الإنسان حرا حقيقة، حين يستطيع أن يتحكم في طريقه ويحتفظ لإنسانيته بالرأي في تحديد الطريق ورسم معالمه واتجاهاته. وهذا يتوقف على تحرير الإنسان قبل كل شئ من عبودية الشهوات التي تعتلج في نفسه، لتصبح الشهوات أداة تنبيه للإنسان إلى ما يشتهيه، لا قوة دافعة تسخر إرادة الإنسان دون ان يملك بإزائها حولا أو طولا، لأنها إذا أصبحت كذلك خسر الإنسان حريته منذ بداية الطريق. ولا يغير من الواقع شيئا أن تكون يداه طليقتين