جماح النفوس ويحد من طغيانها، وليخرج بها عن الفطرة ويردها إلى المثل الأعلى، اللهم إلا من زكت نفوسهم وسمت خلائقهم، ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة وما كانت تكاليف الله تعالى للعباد بتنية على الإلجاء فهل كان من خصائص مسيح الهند أن يمد من الفطر ويدرك ما تعجز عنه القدر من إصلاح مجموع البشر بكتابه الجديد، وبما عزاه إلى نفسه وعزاه إليه من معجزات على أن من اختص بمثل تلك المعجزات المزعومة وبمثل تلك الموهبة التي لم يؤتها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من إصلاح البشر، كان من مقتضى الحكمة أن ينص على ظهوره والتعريف باسمه وموطنه وعصره.
إن الله عز وجل بلطفه الشامل ودينه الكامل لم يترك المسلمين في جاهلية جهلاء وطخية عمياء، وكفى ببيانه بيانا وبسنة نبيه الأعظم برهانا، وبحديثه الصحيح " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي " (1) قاطعا للمعاذير وبينا للحجة القائمة ومفحما لكل مدع النبوة.
إن علماء الأمة الذين شاء المسيح الهندي وأتباعه إلصاق وصمة التقصير بهم عن القيام بما فرض عليهم من النصح والارشاد، والدفاع عن حوض الدين القويم، فقد قاموا قديما وحديثا بهذا الفرض، وكانوا أحرص الناس على رعاية أصوله وفروعه، وتدوين ما حذقوا من علوم كتابه، وضبطوا بكل تدقيق ما ورد من سنة وحديث، وأسسوا علم الكلام، وعنوا بعلم المنطق والعلم الإلهي، ليحفظوا بهذه العلوم الحادثة جوهر الدين، وليبينوا وجوه إعجاز كتابهم الخالد، وليدفعوا زيغ الملحدين وشبهات المعادين، ولم يخل ولله الحمد منهم عصر من العصور الإسلامية، ولكنهم لم يدع منهم أحد أنه نبي أو أنه المسيح المترقب أو المهدي المنتظر، ولم يدع النبوة في عصور انقسام المسلمين إلى فرق، ثم الترقي إلى دعوى الحلول والاتحاد فالألوهية إلا الغلاة من الفرق الثلاث والسبعين، كما تجد ذلك مبسوطا في كتب الملل والنحل، ولكنه لم