صدر المؤلف هذا الفصل ب (نظرة إجمالية على كتب التفاسير) قال:
" لقد أضر المسلمين كثيرا اعتقادهم بصحة كل ما ورد في كتب التفاسير وتركهم التدبر في آيات القرآن المبين، ظانين بأن المفسرين أحاطوا بجميع ما يحويه الكتاب من الأسرار والحقائق والمعارف، ولذلك ترى ردود المشايخ لا تتجاوز أقوال المفسرين، ويجعلون رواياتهم الظنية أساس معتقدهم كأنها منزلة من عند الله... إلخ ثم عرض لذكريات اختلف في تفسيرها المفسرون متحديا العلماء في الجواب عليها، وذكر أسباب الاختلاف في تفسيرها، وعقب ذلك بقوله: وليقولوا لنا: هل نطبق حديث من قال في القرآن برأيه على تفسيرهم أم لا؟ ".
أما الحديث، فقد ذكره قبل وهو: (من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار) (1) ثم أورد الأسئلة وهي أحد عشر وجلها منقول عن تفسير الخطيب الشربيني، فلندع الجواب عنها الآن إلى الجواب عما زعمه من الأضرار بالمسلمين اعتقادهم بصحة كل ما ورد في التفاسير وتركهم التدبر في آيات القرآن المبين، إلى آخر كلامه الذي مر ذكره قريبا، ويتلخص جوابه بأمور.
الأمر الأول: إن دعواه انحصار الأضرار بالمسلمين باعتمادهم على أقوال المفسرين بدون تمحيصها وتبين فاسدها من صحيحها مخالفة للواقع، فلم يترك المسلمون التدبر في آيات القرآن المبين والاعتبار بما فيه من السنن، ولم يكن العلماء العارفون منهم ليقبلوا أقاويل المفسرين على علاتها، وإلا لما كثر الاختلاف ما بينهم وتعددت كتب التفاسير إلى حيث يصعب على الباحث عدها وسردها، وسنفي هذا البحث حقه في موضعه.
الأمر الثاني: إن الذي أضر بالمسلمين، هو ما نشأ فيهم من ذوي البدع والأهواء ومدعي النبوات والحلول من الغلاة الذي انقرض جلهم، ومن اشتباه العلماء الذين ساقهم الطمع في الزعامة من طريق الابتداع في الدين إلى ادعاء الحلول والنبوة.