بزعم سكوتهم عن محاربة البدع والمنكرات، وعن رد شبهات المبشرين وصد تيار الملحدين من المسلمين، ووقوفهم موقف الخصم اللدود في وجه المصلحين، وإسراعهم إلى تكفير كل من يحاول تغيير بدعة ودرء ضلالة، لم يستثن من افتئاته أحدا من الأولين والآخرين، وعرض إلى ما رمي به الحسين بن الحلاج وابن الجنيد والشلبي وأضرابهم من المتصوفة، ثم إلى تكفير من كفر أبناء نحلته الذين لم يشذوا عن الإسلام ولا خرجوا عن حظيرته، وكأنما ادعاؤهم مسيحية صاحبهم ونبوته المخالفة للنصوص الصريحة التي لا تقبل تأويلا ولاجماع المسلمين كافة، ليست من الأمور التي تعنيهم، ولا مما يحسن أن يتناوله النقد والنقض، وأنهم إنما يقومون بأداء المفروض عليهم من محاربة البدع بالتسليم ببدعتهم والاعتراف بنبوة نبيهم المزعوم ومسيحهم الموهوم.
أما إنذار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بل إنذار الله تعالى بوقوع الاختلاف في المسلمين بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) فذلك مما نص عليه القرآن المجيد (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) [آل عمران / 144] وحديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الصحيح في افتراق أمته إلى ثلاث وسبعين فرقة كما افترقت أمة موسى (عليه السلام) إلى إحدى وسبعين فرقة وأمة عيسى (عليه السلام) إلى اثنتين وسبعين فرقة، إلى أحاديث كثيرة في معنى الاختلاف الذي هو سنة طبيعية في البشر، وكم جاءت آية كريمة محكمة في هذا المضمون (ولن تجد لسنة الله تبديلا) [الفتح / 22] وما أرسل تعالى الرسل وأنزل الكتب وشرع الشرائع إلا لتلطيف ذلك الاختلاف وتعديله، وأوضح السبل ونصب الدلائل على دينه الحق ومراداته من التكليف في دار التكليف ولم يدع الناس هملا و (قد تبين الرشد من الغي) [البقرة / 256] ببعثة خاتم المرسلين، وبما نزل عليه من الذكر الحكيم، ومع ما في طبيعة هذا الدين والكتاب الذي مهد سبله وأسس قواعده الحكيمة من ملاءمة لكل الطباع الإنسانية، ومن أساليب رائعة يدرك إعجازها الجاهل والمتعلم والقروي والبدوي، ومن سنن اجتماعية وأخلاقية تنفذ في نفوس كل الجماعات، وما للنبي المبعوث به من خصائص نفسية وخلقية وسيرة فاضلة، فإن ذلك وما إليه لم يكن كله يكبح