وهذا الفرزدق ينشد علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب (عليه السلام) قصيدة سائرة في بيت الله الحرام بمحضر من الألوف من حجاجه، منها هذا البيت:
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا فلا ينكر على الفرزدق منكر من الحجيج وفيهم الموالي والقالي، بل ومن أحفظه بقصيدته هذه، فلو لم يكن من المسلمات ومن البداءة انتهاء النبوات واختتامها بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عند المسلمين، لا نبرى من تلك الجموع ولو واحد من أعدائه إلى تكذيب الفرزدق وقال: إن باب النبوات ما زال مفتوحا وأنه لم يسد بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولو حاولنا استقصاء كل ما قيل من منثور ومنظوم وفي خلال الخطب من على المنابر الإسلامية في مختلف العصور ومختلف الأمصار، وخاصة ما جاء في نهج البلاغة من وصف محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بصفة خاتم النبيين وأن المراد به اختتام النبوات بنبوته، لاحتجنا إلى إخراج كتاب ضخم.
وليس لصاحب التوضيح ومن شايعه أن يعترض بشيوع استعمال الخاتم في منظوم الكلام ومنثوره، فيما يستبعد أن يكون مرادا منه النهاية، كقولهم خاتمة العلماء، وخاتم الأولياء، وافتتح الشعر بملك واختتم بملك، وقول المتنبي: (إن الكرام بأسخاهم يدا ختموا) وقول السيد إبراهيم الطباطبائي:
ختمت به العلماء بعد كما * ختمت بطه جده الرسل وقول القائل:
الشافعي إمام كل قبيلة * أربت مناقبه على الآلاف ختم النبوة والولاية ربنا * بمحمدين هما لعبد مناف فيقول وحيث يستبعد أن يراد من الخاتم وما يشتق منه معنى النهاية، فلا مناص من حمله على معنى الفضيلة أو الزينة، وكذلك يحمل في الآية وفيما ورد من خبر وأثر، لأنا نقول: قد تبين مما نقلناه من كلمات أئمة اللغة والتفسير في صدر هذا البحث الفرق أولا بين خاتم بفتح التاء المستعمل للزينة و (للطابع المخصوص) وللفضيلة وأنه يستعمل أيضا بما يؤدي إلى النهاية،