المبدأ والمعاد مستمرا وأثره باقيا، اقتضت البلاغة والحكمة التعبير عن الاصطفاء بلفظ المستقبل لا بلفظ الماضي لاستمرار التكليف وبقاء أثره، فهو كمثل التعبير في الآية فتصبح مخضرة بلفظ المستقبل دون الماضي، فأصبحت لبقاء أثر المطر زمانا بعد زمان، فإنزال الماء مضى وجوده واخضرار الأرض باق غير ماض.
وعن الآية الثانية (يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم) بوجوده:
1 - أن يراد من إتيان الرسل استمرار شرائعهم واستمرار تكليف بني آدم باتباعها والعمل بها، سواء من عاصر الرسل أو عاصر أوصياءهم في زمن الفترة بين رسول ورسول وزمن تواتر إرسال الرسل أو من ختمت في أزمانهم النبوات والرسالات، ومثل هذا الاستعمال في لغة العرب وأسلوب الكتاب الحكيم مستفيض، وتقدم ما يكفينا عن الإعادة من جواز مثل هذا الاستعمال.
2 - إن الظاهر من لفظ (يقصون عليكم آياتي) من سلف من الرسل ممن قصوا أيات الله عز وجل على أممهم الذين أرسلوا إليهم وبينوا أحكامه، وتم ذلك البيان وانتهت الحجة بخاتمهم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الذي تحقق فيه وفي رسالته الخالدة الباقية ما بقيت السماوات والأرض مضمون الآية: (وتمت كلمة ربك) بالأحكام والمواعيد (صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته) بنقض أو خلف، وبشمول الخطاب (يا بني آدم)، لمن عاصر رسالته ولمن بعدهم عبر بلفظ يأتينكم بالمستقبل لاستمرار رسالته واستمرار التكليف بها.
3 - إن هذا التعبير وإن كان ظاهره الاستقبال فيجوز أن يكون معدولا به عن الماضي، استحضارا لما في قصص الأنبياء من الاعتبار بآيات الله وهي لما فيها من العبر والعظات والتذكر بأيام الله فيمن انحرف عن سننه التي لا تتبدل، ولما فيها من الروعة وزجر النفوس الجامحة المسترسلة لأهوائها عن مخالفة تلك السنن، وتوقع أن يصيبها ما أصاب أمم تلك الرسل من المثلات كان من البلاغة العدول عن التعبير بلفظ الماضي إلى لفظ المستقبل، على أن وصف