وقد أمكن الله منه، فقال الحسين (عليه السلام): " لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم في القتال " (1).
وقال أبو مخنف: لما التحم القتال حملت ميمنة ابن سعد على ميسرة الحسين، وفي ميمنة بن سعد عمرو بن الحجاج الزبيدي، وفي ميسرة الحسين زهير بن القين، وكانت حملتهم من نحو الفرات فاضطربوا ساعة، وكان مسلم بن عوسجة في الميسرة، فقاتل قتالا شديدا لم يسمع بمثله، فكان يحمل على القوم وسيفه مصلت بيمينه فيقول:
إن تسألوا عني فإني ذو لبد * وإن بيتي في ذرى بني أسد فمن بغاني حائد عن الرشد * وكافر بدين جبار صمد ولم يزل يضرب فيهم بسيفه حتى عطف عليه مسلم بن عبد الله الضبابي وعبد الرحمن بن أبي خشكارة البجلي، فاشتركا في قتله، ووقعت لشدة الجلاد غبرة عظيمة، فلما انجلت إذا هم بمسلم بن عوسجة صريعا، فمشى إليه الحسين (عليه السلام) فإذا به رمق، فقال له الحسين (عليه السلام): " رحمك الله يا مسلم * (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) * (2)، ثم دنا منه فقال له حبيب ما ذكرناه في ترجمته.
قال: فما كان بأسرع من أن فاظ بين أيديهم، فصاحت جارية له: واسيداه يا بن عوسجتاه فتباشر أسحاب عمر بذلك، فقال لهم شبث بن ربعي: ثكلتكم أمهاتكم إنما تقتلون أنفسكم بأيديكم، وتذلون أنفسكم لغيركم، أتفرحون أن يقتل مثل مسلم ابن عوسجة؟ أما والذي أسلمت له، لرب موقف له قد رأيته في المسلمين كريم، لقد رأيته يوم سلق آذربايجان قتل ستة من المشركين قبل أن تتام خيول المسلمين،