صلوات الله عليها، فقد دخلت عليها من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل وكان حزنها يتجدد وبكائها يشتد، فلا يهدأ لها أنين ولا يسكن منها الحنين، وكل يوم جاء كان بكائها أكثر من اليوم الأول.
قال الراوي: فجلست سبعة أيام فلما كان اليوم الثامن خرجت لزيارة قبر أبيها فأقبلت نادبة وهي تعثر في أذيالها وهي لا تبصر شئ من عبرتها ومن تواتر دمعتها حتى دنت من القبر الشريف فأغمي عليها، فتبادرت النسوان إليها فنضحن الماء عليها حتى أفاقت، فلما أفاقت من غشيتها.
قالت: رفعت قوتي وخانني جلدي وشمت بي عدوي والكمد قاتلي، يا أبتاه بقيت والهة وحيدة، وحيرانة فريدة، فقد انخمد صوتي وانقطع ظهري، وتنغص عيشي وتكدر دهري، فما أجد يا أبتاه بعدك أنيسا لوحشتي ولا رادا لدمعتي، ثم نادت يا أبتاه:
إن حزني عليك حزن جديد * وفؤادي والله صب عنيد كل يوم يزيد فيه شجوني * واكتيابي عليك ليس يبيد يا أبتاه من للأرامل والمساكين * ومن الأمة إلى يوم الدين يا أبتاه أمسينا بعدك من المستضعفين * يا أبتاه أصبحت الناس عنا معرضين فأي دمعة لفراقك لا تنهمل و * أي حزن بعدك لا يتصل وأي جفن بعدك بالنوم يكتحل * رميت يا أبتاه بالخطب الجليل ولم يكن الرزية بالقليل، فمنبرك بعدك مستوحش ومحرابك خال من مناجاتك وقبرك فرح بموازاتك، فوا أسفاه عليك إلى أن أقدم عليك، ثم زفرت زفرة وأنت أنة كادت روحها أن تخرج، ثم قالت:
قل صبري وبان عني عزائي * بعد فقدي لخاتم الأنبياء عين يا عين اسكبي الدمع سحا (2) * ويك لا تبخلي بفيض الدماء