مكيال المكارم - ميرزا محمد تقي الأصفهاني - ج ٢ - الصفحة ٣٧٦
القراءة في الأخريين وإن كان الأفضل اختيار التسبيح ظهر جواز القراءة في الأوليين خلف الإمام، لظهور اتحادهما في الحكم من ذلك الكلام فيكون النهي عن القراءة في الأوليين للكراهة، فلا جرم يكون الأمر بالإنصات للاستحباب، ويؤيده الحديث الذي حكيناه عن كنز العرفان.
ومن هنا يمكن القول بحمل الأخبار الناهية عن القراءة خلف الإمام على الكراهة كما ذهب إليه المحقق وتبعه جماعة.
ويمكن الخدشة فيه بأن حمل النهي على الكراهة بقرينة الاستدلال بالآية وإن كان ممكنا ولكن رفع اليد عن ظواهر سائر الروايات الناهية غير جائز إذ لا قرينة فيها وانثلام الظهور في رواية لجهة من الجهات لا يوجب انثلام ظهور غيرها فتأمل وتفصيل الكلام في الفقه وقد أطنبنا الكلام في هذا المقام وإن كان خارجا عن المرام لأن الكلام يجر الكلام كما قد شاع بين الخواص والعوام.
وهاهنا مسألة أخرى مناسبة لأصل المقصد والعنوان وهي أن الملائكة الكرام الكاتبين الذين يكتبون أعمال المكلفين وأقوالهم هل يكتبون جميع ما يتلفظون به حتى الكلام المباح؟ أو يكتبون الألفاظ التي يترتب عليها أثرا أعني الألفاظ الواجبة والمحرمة والمكروهة والمندوبة أصالة أو تسبيبا ولا يكتبون الألفاظ المباحة التي لا يترتب عليها أثر شرعي. المسألة خلافية فذهب جمع إلى الأول وآخر إلى الثاني، واستند كل منهما إلى ما يوجب ذكره التطويل ولا يشفي العليل ولا يروي الغليل.
- والمعتمد عند المصنف الذليل ما ورد عن أهل بيت الوحي والتنزيل وهو ما روي في تفسير البرهان (1) عن كتاب الحسين بن سعيد بإسناد صحيح عن الصادق (عليه السلام) أنه قال ما من عبد إلا وله ملكان يكتبان ما يلفظه ثم يرفعان ذلك إلى ملكين فوقهما فيثبتان ما كان من خير وشر، ويلقيان ما سوى ذلك، انتهى.
ولم أعثر إلى الآن على معارض له والله خير دليل وهو حسبي ونعم الوكيل.

١ - تفسير البرهان: ٤ / 220 ح 6.
(٣٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 ... » »»